العذاب : الألم ، وقد قيل إن أصله الإعذاب مصدر أعذب إذا أزال العذوبة لأن العذاب يزيل حلاوة العيش فصيغ منه اسم مصدر بحذف الهمزة ، أو هو اسم موضع للألم بدون ملاحظة اشتقاق من العذوبة إذ ليس يلزم مصير الكلمة إلى نظيرتها في الحروف.
ووصف العذاب بالعظيم دليل على أن تنكير عذاب للنوعية وذلك اهتمام بالتنصيص على عظمه لأن التنكير وإن كان صالحا للدلالة على التعظيم إلا أنه ليس بنص فيه ولا يجوز أن يكون (عَظِيمٌ) تأكيدا لما يفيده التنكير من التعظيم كما ظنه صاحب «المفتاح» لأن دلالة التنكير على التعظيم غير وضعية ، والمدلولات غير الوضعية يستغني عنها إذا ورد ما يدل عليها وضعا فلا يعد تأكيدا. والعذاب في الآية ، إما عذاب النار في الآخر ، وإما عذاب القتل والمسغبة في الدنيا.
[٨] (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨))
هذا فريق آخر وهو فريق له ظاهر الإيمان وباطنه الكفر وهو لا يعدو أن يكون مبطنا الشرك أو مبطنا التمسك باليهودية ويجمعه كله إظهار الإيمان كذبا ، فالواو لعطف طائفة من الجمل على طائفة مسوق كل منهما لغرض جمعتهما في الذكر المناسبة بين الغرضين فلا يتطلب في مثله إلا المناسبة بين الغرضين لا المناسبة بين كل جملة وأخرى من كلا الغرضين على ما حققه التفتازانيّ في شرح الكشاف ، وقال السيد إنه أصل عظيم في باب العطف لم ينتبه له كثيرون فأشكل عليهم الأمر في مواضع شتى وأصله مأخوذ من قول «الكشاف» : «وقصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة (الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ٦] كما تعطف الجملة على الجملة» فأفاد بالتشبيه أن ذلك ليس من عطف الجملة على الجملة. قال المحقق عبد الحكيم : وهذا ما أهمله السكاكي أي في أحوال الفصل والوصل وتفرد به صاحب «الكشاف».
واعلم أن الآيات السابقة لما انتقل فيها من الثناء على القرآن بذكر المهتدين به بنوعيهم الذين يؤمنون بالغيب والذين يؤمنون بما أنزل إليك إلى آخر ما تقدم ، وانتقل من الثناء عليهم إلى ذكر أضدادهم وهم الكافرون الذين أريد بهم الكافرون صراحة وهم المشركون ، كان السامع قد ظن أن الذين أظهروا الإيمان داخلون في قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] فلم يكن السامع سائلا عن قسم آخر وهم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الشرك أو غيره وهم المنافقون الذين هم المراد هنا بدليل قوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) [البقرة : ١٤] إلخ ، لأنه لغرابته وندرة وصفه بحيث لا يخطر بالبال وجوده ناسب