الذين لم يفشوا أمرهم فليس في الآية دليل على ظهور نفاقهم للرسول بوجه معتاد ولكنه شيء أطلع عليه نبيئه ، وكانت المصلحة في ستره ، وقد اطّلع بعض المؤمنين عليه بمخالطتهم وعلموا من النبي صلىاللهعليهوسلم الإعراض عن إذاعة ذلك فكانت الآية غير دالة على حكم شرعي يتعلق بحكم النفاق والزندقة.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ).
أتى بما يقابل جفاء طبعهم انتصارا للمؤمنين ، ولو لا جفاء قولهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) لما تصدى القرآن لسبابهم مع أن عادته الإعراض عن الجاهلين ولكنهم كانوا مضرب المثل : «قلت فأوجبت» ، ولأنه مقام بيان الحق من الباطل فتحسن فيه الصراحة والصرامة كما تقرر في آداب الخطابة ، وأعلن ذلك بكلمة ألا المؤذنة بالتنبيه للخبر ، وجاء بصيغة القصر على نحو ما قرر في : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) [البقرة : ١٢] ليدل على أن السفاهة مقصورة عليهم دون المؤمنين فهو إضافي لا محالة. وإذا ثبتت لهم السفاهة انتفى عنهم الحلم لا محالة لأنهما ضدان في صفات العقول.
(إنّ) هنا لتوكيد الخبر وهو مضمون القصر وضمير الفصل لتأكيد القصر كما تقدم آنفا. و (ألا) كأختها المتقدمة في : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ).
وقوله : (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) نفى عنهم العلم بكونهم سفهاء بكلمة (يَعْلَمُونَ) دون يشعرون خلافا للآيتين السابقتين لأن اتصافهم بالسفه ليس مما شأنه الخفاء حتى يكون العلم به شعورا ويكون الجهل به نفي شعور ، بل هو وصف ظاهر لا يخفى لأن لقاءهم كل فريق بوجه واضطرابهم في الاعتماد على إحدى الخلّتين وعدم ثباتهم على دينهم ثباتا كاملا ولا على الإسلام كذلك كاف في النداء بسفاهة أحلامهم فإن السفاهة صفة لا تكاد تخفى ، وقد قالت العرب : السفاهة كاسمها ، قال النابغة :
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها |
|
يهدى إليّ غرائب الأشعار |
وقال جزء بن كلاب الفقعسي :
تبغّى ابن كوز والسّفاهة كاسمها |
|
ليستاد منّا أن شتونا لياليا |
فظنهم أن ما هم عليه من الكفر رشد ، وأن ما تقلده المسلمون من الإيمان سفه يدل على انتفاء العلم عنهم. فموقع حرف الاستدراك لدفع تعجب من يتعجب من رضاهم بالاختصاص بوصف السفاهة.