وفعل : (يَسْتَهْزِئُ) المسند إلى الله ليس مستعملا في حقيقته لأن المراد هنا أنه يفعل بهم في الدنيا ما يسمى بالاستهزاء بدليل قوله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) ولم يقع استهزاء حقيقي في الدنيا فهو إما تمثيل لمعاملة الله إياهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين ، بما بشبه فعل المستهزئ بهم وذلك بالإملاء لهم حتى يظنوا أنهم سلموا من المؤاخذة على استهزائهم فيظنوا أن الله راض عنهم أو أن أصنامهم نفعوهم حتى إذا نزل بهم عذاب الدنيا من القتل والفضح علموا خلاف ما توهموا فكان ذلك كهيئة الاستهزاء بهم. والمضارع في قوله : (يَسْتَهْزِئُ) لزمن الحال.
ولا يحمل على اتصاف الله بالاستهزاء حقيقة عند الأشاعرة لأنه لم يقع من الله معنى الاستهزاء في الدنيا ، ويحسن هذا التمثيل ما فيه من المشاكلة. ويجوز أن يكون (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) حقيقة يوم القيامة بأن يأمر بالاستهزاء بهم في الموقف وهو نوع من العقاب فيكون المضارع في (يَسْتَهْزِئُ) للاستقبال ، وإلى هذا المعنى نحا ابن عباس والحسن في نقل ابن عطية ، ويجوز أن يكون مرادا به جزاء استهزائهم من العذاب أو نحوه من الإذلال والتحقير والمعنى يذلهم وعبر عنه بالاستهزاء مجازا ومشاكلة ، أو مرادا به مآل الاستهزاء من رجوع الوبال عليهم. وهذا كله وإن جاز فقد عينه هنا جمهور العلماء من المفسرين كما نقل ابن عطية والقرطبي وعينه الفخر الرازي والبيضاوي وعينه المعتزلة أيضا لأن الاستهزاء لا يليق إسناده إلى الله حقيقة لأنه فعل قبيح ينزه الله تعالى عنه كما في «الكشاف» وهو مبني على المتعارف بين الناس.
وجيء في حكاية كلامهم بالمسند الاسمي في قولهم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] لإفادة كلامهم معنى دوام صدور الاستهزاء منهم وثباته بحيث لا يحولون عنه.
وجيء في قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) بإفادة التجدد من الفعل المضارع أي تجدد إملاء الله لهم زمانا إلى أن يأخذهم العذاب ، ليعلم المسلمون أن ما عليه أهل النفاق من النعمة إنما هو إملاء وإن طال كما قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ) [آل عمران : ١٩٦].
(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
يتعين أنه معطوف على (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).
و (يمد) فعل مشتق من المدد وهو الزيادة ، يقال مدّه إذا زاده وهو الأصل في