قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [الزخرف : ٢٢ ـ ٢٤] فقوله : (أُرْسِلْتُمْ) حكاية لخطاب أقوام الرسل في جواب سؤال محمد صلىاللهعليهوسلم قومه بقوله : (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ). وبهذا يكون ما في هذه الآية موافقا لما في الآية بعدها من قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) إذ يتعين رجوعه لبعض المشبه به دون المشبه. وجوز صاحب «الكشاف» أن يكون قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) استئنافا ويكون التمثيل قد انتهى عند قوله تعالى (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) ويكون جواب (لما) محذوفا دلت عليه الجملة المستأنفة وهو قريب مما ذكرته إلا أن الاعتبار مختلف.
ومعنى (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) : أطفأ نارهم فعبر بالنور لأنه المقصود من الاستيقاد ، وأسند إذهابه إلى الله تعالى لأنه حصل بلا سبب من ريح أو مطر أو إطفاء مطفئ ، والعرب والناس يسندون الأمر الذي لم يتضح سببه لاسم الله تعالى كما تقدم عند قوله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) [البقرة : ١٥] و (ذَهَبَ) المعدى بالباء أبلغ من أذهب المعدى بالهمزة وهاته المبالغة في التعدية بالباء نشأت من أصل الوضع لأن أصل ذهب به أن يدل على أنهما ذهبا متلازمين فهو أشد في تحقيق ذهاب المصاحب كقوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) [يوسف : ١٥] وأذهبه جعله ذاهبا بأمره أو إرساله فلما كان الذي يريد إذهاب شخص إذهابا لا شك فيه يتولى حراسة ذلك بنفسه حتى يوقن بحصول امتثال أمره صار ذهب به مفيدا معنى أذهبه ، ثم تنوسي ذلك بكثرة الاستعمال فقالوا ذهب به ونحوه ولو لم يصاحبه في ذهابه كقوله : (يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) [البقرة : ٢٥٨] وقوله : (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) [يوسف : ١٠٠] ثم جعلت الهمزة لمجرد التعدية في الاستعمال فيقولون : ذهب القمار بمال فلان ولا يريدون أنه ذهب معه ، ولكنهم تحفظوا ألا يستعملوا ذلك إلا في مقام تأكيد الإذهاب فبقيت المبالغة فيه. وضمير المفرد في قوله و (ما حَوْلَهُ) مراعاة للحال المشبهة.
واختيار لفظ النور في قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) دون الضوء ودون النار لأن لفظ النور أنسب ؛ لأن الذي يشبه النار من الحالة المشبهة هو مظاهر الإسلام التي يظهرونها وقد شاع التعبير عن الإسلام بالنور في القرآن فصار اختيار لفظ النور هنا بمنزلة تجريد الاستعارة لأنه أنسب بالحال المشبهة ، وعبّر عما يقابله في الحال المشبه بها بلفظ يصلح لهما أو هو بالمشبه أنسب في اصطلاح المتكلم كما قدمنا الإشارة إليه في وجه جمع الضمير في قوله : (بِنُورِهِمْ).
(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).