الصفات انعدم منه الفهم والإفهام وتعذر طمع رجوعه إلى رشد أو صواب. والرجوع الانصراف من مكان حلول ثان إلى مكان حلول أول وهو هنا مجاز في الإقلاع عن الكفر.
[١٩] (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩))
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ).
عطف على التمثيل السابق وهو قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة : ١٧] أعيد تشبيه حالهم بتمثيل آخر وبمراعاة أوصاف أخرى فهو تمثيل لحال المنافقين المختلطة بين جواذب ودوافع حين يجاذب نفوسهم جاذب الخير عند سماع مواعظ القرآن وإرشاده ، وجاذب الشر من أعراق النفوس والسخرية بالمسلمين ، بحال صيب من السماء اختلطت فيه غيوث وأنوار ومزعجات وأكدار ، جاء على طريقة بلغاء العرب في التفنن في التشبيه وهم يتنافسون فيه لا سيما التمثيلي منه وهي طريقة تدل على تمكن الواصف من التوصيف والتوسع فيه.
وقد استقريت من استعمالهم فرأيتهم قد يسلكون طريقة عطف تشبيه على تشبيه كقول امرئ القيس في معلقته :
أصاح ترى برقا أريك وميضه |
|
كلمع اليدين في حبيّ مكلّل |
يضيء سناه أو مصابيح راهب |
|
أمال السليط بالذّبال المفتّل |
وقول لبيد في معلقته يصف راحلته :
فلها هباب في الزمام كأنها |
|
صهباء خفّ مع الجنوب جهامها |
أو ملمع وسقت لأحقب لاحه |
|
طرد الفحول وضربها وكدامها (١) |
وكثر أن يكون العطف في نحوه بأو دون الواو ، وأو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء فيتولد منها معنى التسوية وربما سلكوا في إعادة التشبيه مسلك الاستفهام بالهمزة
__________________
(١) الهباب ـ بكسر الهاء ـ مصدر كالهبوب وهو النهوض والنشاط. والصهباء : السحابة المائل لونها للسواد. والجهام : السحاب لا مطر فيه وهو خفيف السير. والملمع : التي استبان حملها ، وأراد الأتان ووسقت : حملت. والأحقب : هو حمار الوحش وقوله : لأحقب أي من أحقب. ولاحه : غيره. وطرد الفحول : خصامها. والكدام ـ بكسر الكاف ـ العض.