وقد أومأ قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إلى أنهم يعلمون أن الله لا ند له ولكنهم تعاموا وتناسوا فقالوا : «إلا شريكا هو لك».
[٢٣] (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣))
انتقال لإثبات الجزء الثاني من جزئي الإيمان بعد أن تم إثبات الجزء الأول من ذلك بما قدمه من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] إلخ. فتلك هي المناسبة التي اقتضت عطف هذه الجملة على جملة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) ، ولأن النهي عن أن يجعلوا لله أندادا جاء من عند الله فهم بمظنة أن ينكروا أن الله نهى عن عبادة شفعائه ومقربيه لأنهم من ضلالهم كانوا يدّعون أن الله أمرهم بذلك قال تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠] فقد اعتلوا لعبادة الأصنام بأن الله أقامها وسائط بينه وبينهم ، فزادت بهذا مناسبة عطف قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) عقب قوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [البقرة : ٢٢]. وأتى بإن في تعليق هذا الشرط وهو كونهم في ريب وقد علم في فن المعاني اختصاص إن بمقام عدم الجزم بوقوع الشرط ، لأن مدلول هذا الشرط قد حفّ به من الدلائل ما شأنه أن يقلع الشرط من أصله بحيث يكون وقوعه مفروضا فيكون الإتيان بإن مع تحقق المخاطب علم المتكلم بتحقق الشرط توبيخا على تحقق ذلك الشرط ، كأن ريبهم في القرآن مستضعف الوقوع.
ووجه ذلك أن القرآن قد اشتطت ألفاظه ومعانيه على ما لو تدبره العقل السليم لجزم بكونه من عند الله تعالى فإنه جاء على فصاحة وبلاغة ما عهدوا مثلهما من فحول بلغائهم ، وهم فيهم متوافرون متكاثرون حتى لقد سجد بعضهم لبلاغته واعترف بعضهم بأنه ليس بكلام بشر. وقد اشتمل من المعاني على ما لم يطرقه شعراؤهم وخطباؤهم وحكماؤهم ، بل وعلى ما لم يبلغ إلى بعضه علماء الأمم. ولم يزل العلم في طول الزمان يظهر خبايا القرآن ويبرهن على صدق كونه من عند الله فهذه الصفات كافية لهم في إدراك ذلك وهم أهل العقول الراجحة والفطنة الواضحة التي دلت عليها أشعارهم وأخبارهم وبداهتهم ومناظرتهم ، والتي شهد لهم بها الأمم في كل زمان ، فكيف يبقى بعد ذلك كله مسلك للريب فيه إليهم فضلا عن أن يكونوا منغمسين فيه.
ووجه الإتيان بفي الدالة على الظرفية الإشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط