الصدق والكذب ، وقريب منه قول الراغب ، ويشبه أن يكون الخلاف لفظيا ومحل بسطه في علمي الأصول والبلاغة.
والمعنى إن كنتم صادقين في دعوى أن القرآن كلام بشر ، فحذف متعلق (صادقين) لدلالة ما تقدم عليه ، وجواب الشرط محذوف تدل عليه جملة مقدرة بعد جملة : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) إذ التقدير فتأتون بسورة من مثله ودل على الجملة المقدرة قوله قبلها : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) وتكون الجملة المقدرة دليلا على جواب الشرط فتصير جملة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) تكريرا للتحدي.
وفي هذه الآية إثارة لحماسهم إذ عرض بعدم صدقهم فتتوفر دواعيهم على المعارضة.
[٢٤] (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤))
تفريع على الشرط وجوابه ، أي فإن لم تأتوا بسورة أو أتيتم بما زعمتم أنه سورة ولم يستطع ذلك شهداؤكم على التفسيرين فاعلموا أنكم اجترأتم على الله بتكذيب رسوله المؤيد بمعجزة القرآن فاتقوا عقابه المعد لأمثالكم.
ومفعول (تَفْعَلُوا) محذوف يدل عليه السياق أي فإن لم تفعلوا ذلك أي الإتيان بسورة مثله وسيأتي الكلام على حذف المفعول في مثله عند قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) في سورة المائدة [٦٧].
وجيء بإن الشرطية التي الأصل فيها عدم القطع مع أن عدم فعلهم هو الأرجح بقرينة مقام التحدي والتعجيز ؛ لأن القصد إظهار هذا الشرط في صورة النادر مبالغة في توفير دواعيهم على المعارضة بطريق الملاينة والتحريض واستقصاء لهم في إمكانها وذلك من استنزال طائر الخصم وقيد لأوابد مكابرته ومجادلة له بالتي هي أحسن حتى إذا جاء للحق وأنصف من نفسه يرتقي معه في درجات الجدل ؛ ولذلك جاء بعده (وَلَنْ تَفْعَلُوا) كأن المتحدي يتدبر في شأنهم ، ويزن أمرهم فيقول أولا ائتوا بسورة ، ثم يقول : قدروا أنكم لا تستطيعون الإتيان بمثله وأعدوا لهاته الحالة مخلصا منها ثم يقول : ها قد أيقنت وأيقنتم أنكم لا تستطيعون الإتيان بمثله ، مع ما في هذا من توفير دواعيهم على المعارضة بطريق المخاشنة والتحذير.