وإنما عبر في جانب المؤمنين بيعلمون تعريضا بأن الكافرين إنما قالوا ما قالوا عنادا ومكابرة وأنهم يعلمون أن ذلك تمثيل أصاب المحز ، كيف وهم أهل اللسان وفرسان البيان ، ولكن شأن المعاند المكابر أن يقول ما لا يعتقد حسدا وعنادا.
وضمير (أنه) عائد إلى المثل.
و (الحق) ترجع معانيه إلى موافقة الشيء لما يحق أن يقع وهو هنا الموافق لإصابة الكلام وبلاغته. و (من ربهم) حال من (الحق) و (من) ابتدائية أي وارد من الله لا كما زعم الذين كفروا أنه مخالف للصواب فهو مؤذن بأنه من كلام من يقع منه الخطأ.
وأصل (ما ذا) كلمة مركبة من ما الاستفهامية وذا اسم الإشارة ولذلك كان أصلها أن يسأل بها عن شيء مشار إليه كقول القائل ما ذا مشيرا إلى شيء حاضر بمنزلة قوله ما هذا. غير أن العرب توسعوا فيه فاستعملوه اسم استفهام مركبا من كلمتين وذلك حيث يكون المشار إليه معبرا عنه بلفظ آخر غير الإشارة حتى تصير الإشارة إليه مع التعبير عنه بلفظ آخر لمجرد التأكيد ، نحو ما ذا التواني ، أو حيث لا يكون للإشارة موقع نحو : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) [النساء : ٣٩] ولذلك يقول النحاة إن ذا ملغاة في مثل هذا التركيب. وقد يتوسعون فيها توسعا أقوى فيجعلون ذا اسم موصول وذلك حين يكون المسئول عنه معروفا للمخاطب بشيء من أحواله فلذلك يجرون عليه جملة أو نحوها هي صلة ويجعلون ذا موصولا نحو : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) [النحل : ٢٤] وعلى هذين الاحتمالين يصح إعرابه مبتدأ ويصح إعرابه مفعولا مقدما إذا وقع بعده فعل. والاستفهام هنا إنكاري أي جعل الكلام في صورة الاستفهام كناية به عن الإنكار لأن الشيء المنكر يستفهم عن حصوله فاستعمال الاستفهام في الإنكار من قبيل الكناية ، ومثله لا يجاب بشيء غالبا لأنه غير مقصود به الاستعلام. وقد يلاحظ فيه معناه الأصلي فيجاب بجواب لأن الاستعمال الكنائي لا يمنع من إرادة المعنى الأصلي كقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ، ٢].
والإشارة بقوله : (بِهذا) مفيدة للتحقير بقرينة المقام كقوله : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) [الأنبياء : ٣٦].
وانتصب قوله : (مَثَلاً) على التمييز من (هذا) لأنه مبهم فحقّ له التمييز وهو نظير التمييز للضمير في قولهم «ربّه رجلا».
(يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ