لأنه صالح للكل.
وقوله : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قصر قلب لأنهم ظنوا أنفسهم رابحين وهو استعارة مكنية تمثيلية تقدمت في قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦]. وذكر الخسران تخييل مراد منه الاستعارة في ذاته على نحو ما قرر في (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) فهذه الآية ظاهرة في أنها موجهة إلى اليهود لما علمت عند قوله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) ولما علمت من كثرة إطلاق وصف الفاسقين على اليهود ، وإن كان الذين طعنوا في أمثال القرآن فريقين : المشركين واليهود ، كما تقدم ، وكان القرآن قد وصف المشركين في سورة الرعد [٢٥] وهي مكية بهذه الصفات الثلاث في قوله : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فالمراد بهم المشركون لا محالة فذلك كله لا يناكد جعل آية سورة البقرة موجهة إلى اليهود إذ ليس يلزم المفسر حمله آي القرآن على معنى واحد كما يوهمه صنيع كثير من المفسرين حتى كان آي القرآن عندهم قوالب تفرغ فيها معان متحدة.
واعلم أن الله قد وصف المؤمنين بضد هذه الصفات في قوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) الآية في سورة الرعد [٢٥].
واعلم أن نزول هذه الآيات ونحوها في بعض أهل الكتاب أو المشركين هو وعيد وتوبيخ للمشركين وأهل الكتاب وهو أيضا موعظة وذكرى للمؤمنين ليعلم سامعوه أن كل من شارك هؤلاء المذمومين فيما أوجب ذمهم وسبب وعيدهم هو آخذ بحظ مما نالهم من ذلك على حسب مقدار المشاركة في الموجب.
[٢٨] (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨))
ثني عنان الخطاب إلى الناس الذين خوطبوا بقوله آنفا : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١] ، بعد أن عقب بأفانين من الجمل المعترضة من قوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي) [البقرة : ٢٥] إلى قوله : (الْخاسِرُونَ) [البقرة : ٢٧].
وليس في قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) تناسب مع قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ