عظيم منزلة الإنسان عند الله تعالى ، وكل أولئك يقتضي اقتلاع الكفر من نفوسهم.
وفي هذه الآية فائدتان :
الأولى : أن لام التعليل دلت على أن خلق ما في الأرض كان لأجل الناس وفي هذا تعليل للخلق وبيان لثمرته وفائدته فتثار عنه مسألة تعليل أفعال الله تعالى وتعلقها بالأغراض والمسألة مختلف فيها بين المتكلمين اختلافا يشبه أن يكون لفظيا فإن جميع المسلمين اتفقوا على أن أفعال الله تعالى ناشئة عن إرادة واختيار وعلى وفق علمه وأن جميعها مشتمل على حكم ومصالح وأن تلك الحكم هي ثمرات لأفعاله تعالى ناشئة عن حصول الفعل فهي لأجل حصولها عند الفعل تثمر غايات ، هذا كله لا خلاف فيه وإنما الخلاف في أنها أتوصف بكونها أغراضا وعللا غائية أم لا؟ (١) فأثبت ذلك جماعة استدلالا بما ورد من نحو قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، ومنع من ذلك أصحاب الأشعري فيما عزاه إليهم الفخر في «التفسير» مستدلين بأن الذي يفعل لغرض يلزم أن يكون مستفيدا من غرضه ذلك ضرورة أن وجود ذلك الغرض أولى بالقياس إليه من عدمه ، فيكون مستفيدا من تلك الأولوية ويلزم من كون ذلك الغرض سببا في فعله أن يكون هو ناقصا في فاعليته محتاجا إلى حصول السبب.
وقد أجيب بأن لزوم الاستفادة والاستكمال إذا كانت المنفعة راجعة إلى الفاعل ، وأما إذا كانت راجعة للغير كالإحسان فلا ، فردّه الفخر بأنه إذا كان الإحسان أرجح من غيره وأولى لزمت الاستفادة. وهذا الرد باطل لأن الأرجحية لا تستلزم الاستفادة أبدا بل إنما تستلزم تعلق الإرادة ، وإنما تلزم الاستفادة لو ادعينا التعين والوجوب.
والحاصل أن الدليل الذي استدلوا به يشتمل على مقدمتين سفسطائيتين أولاهما قولهم إنه لو كان الفعل لغرض للزم أن يكون الفاعل مستكملا به وهذا سفسطة شبّه فيها الغرض النافع للفاعل بالغرض بمعنى الداعي إلى الفعل والراجع إلى ما يناسبه من الكمال لا توقف كماله عليه. الثانية قولهم إذا كان الفعل لغرض كان الغرض سببا يقتضي عجز
__________________
(١) اعلم أن الأثر المترتب على الفعل إذا نظر إليه من حيث إنه ثمرة سمى فائدة ، وإذا نظر إليه من حيث إنه يحصل عند نهاية الفعل سمي غاية (لأن الغاية هي مبلغ سبق خيل الحلبة) فإذا كان مع ذلك داعيا الفاعل إلى الفعل سمي بذلك الاعتبار غرضا وسمي باعتبار حصوله عند نهاية الفعل علة غائية (لأن الغرض هو هدف الرماية فهو كالغاية في السبق).