أسلوب الإجمال في هذا الغرض لقطع الخصومة بين أصحاب النظريتين.
والسماء إن أريد بها الجو المحيط بالكرة الأرضية فهو تابع لها متأخر عن خلقها ، وإن أريد بها الكواكب العلوية وذلك هو المناسب لقوله : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) فالكواكب أعظم من الأرض فتكون أسبق خلقا وقد يكون كل من الاحتمالين ملاحظا في مواضع من القرآن غير الملاحظ فيها الاحتمال الآخر.
والاستواء أصله الاستقامة وعدم الاعوجاج يقال صراط مستو ، واستوى فلان وفلان واستوى الشيء مطاوع سواء ، ويطلق مجازا على القصد إلى الشيء بعزم وسرعة كأنه يسير إليه مستويا لا يلوي على شيء فيعدى بإلى فتكون (إلى) قرينة المجاز وهو تمثيل ، فمعنى استواء الله تعالى إلى السماء تعلق إرادته التنجيزي بإيجادها تعلقا يشبه الاستواء في التهيؤ للعمل العظيم المتقن.
ووزن استوى افتعل لأن السين فيه حرف أصلي وهو افتعال مجازي وفيه إشارة إلى أنه لما ابتدأ خلق المخلوقات خلق السماوات ومن فيها ليكون توطئة لخلق الأرض ثم خلق الإنسان وهو الذي سيقت القصة لأجله.
و (سواهن) أي خلقهن في استقامة ، واستقامة الخلق هي انتظامه على وجه لا خلل فيه ولا ثلم. وبين استوى وسواهن الجناس المحرف.
والسماء مشتقة من السمو وهو العلو واسم السماء يطلق على الواحد وعلى الجنس من العوالم العليا التي هي فوق العالم الأرضي والمراد به هنا الجنس بقرينة قوله : (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) إذ جعلها سبعا ، والضمير في قوله : (فَسَوَّاهُنَ) عائد إلى (السماء) باعتبار إرادة الجنس لأنه في معنى الجمع وجوز صاحب «الكشاف» أن يكون المراد من السماء هنا جهة العلو ، وهو وإن صح لكنه لا داعي إليه كما قاله التفتازانيّ.
وقد عد الله تعالى في هذه الآية وغيرها السماوات سبعا وهو أعلم بها وبالمراد منها إلا أن الظاهر الذي دلت عليه القواعد العلمية أن المراد من السماوات الأجرام العلوية العظيمة وهي الكواكب السيارة المنتظمة مع الأرض في النظام الشمسي ويدل لذلك أمور :
أحدها : أن السماوات ذكرت في غالب مواضع القرآن مع ذكر الأرض وذكر خلقها هنا مع ذكر خلق الأرض فدل على أنها عوالم كالعالم الأرضي وهذا ثابت للسيارات.
ثانيها : أنها ذكرت مع الأرض من حيث إنها أدلة على بديع صنع الله تعالى فناسب