تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) في سورة آل عمران [١٥٩].
وأسندت حكاية هذا القول إلى الله سبحانه بعنوان الرب لأنه قول منبئ عن تدبير عظيم في جعل الخليفة في الأرض ، ففي ذلك الجعل نعمة تدبير مشوب بلطف وصلاح وذلك من معاني الربوبية كما تقدم في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] ، ولما كانت هذه النعمة شاملة لجميع النوع أضيف وصف الرب إلى ضمير أشرف أفراد النوع وهو النبي محمد صلىاللهعليهوسلم مع تكريمه بشرف حضور المخاطبة.
(قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ).
هذا جواب الملائكة عن قول الله لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فالتقدير فقالوا على وزان قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) [البقرة : ٣٤] وفصل الجواب ولم يعطف بالفاء أو الواو جريا به على طريقة متبعة في القرآن في حكاية المحاورات وهي طريقة عربية قال زهير :
قيل لهم ألا اركبوا ألا تا |
|
قالوا جميعا كلهم ألا فا |
أي فاركبوا ولم يقل فقالوا. وقال رؤبة بن العجاج :
قالت بنات العم يا سلمى وإن |
|
كان فقيرا معدما قالت وإن |
وإنما حذفوا العاطف في أمثاله كراهية تكرير العاطف بتكرير أفعال القول فإن المحاورة تقتضي الإعادة في الغالب فطردوا الباب فحذفوا العاطف في الجميع وهو كثير في التنزيل وربما عطفوا ذلك بالفاء لنكتة تقتضي مخالفة الاستعمال وإن كان العطف بالفاء هو الظاهر والأصل ، وهذا مما لم أسبق إلى كشفه من أساليب الاستعمال العربي.
ومما عطف بالفاء قوله تعالى : (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ فَقالَ الْمَلَأُ) في سورة المؤمنين [٢٣ ، ٢٤] وقد يعطف بالواو أيضا كما في قوله : (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ) إلخ في سورة المؤمنون [٣٢ ، ٣٣] وذلك إذا لم يكن المقصود حكاية التحاور بل قصد الإخبار عن أقوال جرت أو كانت الأقوال المحكية ممّا جرى في أوقات متفرّقة أو أمكنة متفرّقة. ويظهر ذلك لك في قوله تعالى : (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [غافر : ٢٥] إلى قوله : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) [٢٦] ثم قال تعالى : (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) [٢٧] ثم قال : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [٢٨]