الجزاء بالشرط أن العلم بالأسماء عبارة عن القوة الناطقة الصالحة لاستفادة المعارف وإفادتها ، أو عبارة عن معرفة حقائق الأشياء وخصائصها ، أو عبارة عن معرفة أسماء الذوات والمعاني ، وكل ذلك يستلزم ثبوت العالمية بالفعل أو بالقوة ، وصاحب هذا الوصف هو الجدير بالاستخلاف في العالم لأن وظيفة هذا الاستخلاف تدبير وإرشاد وهدى ووضع الأشياء مواضعها دون احتياج إلى التوقيف في غالب التصرفات ، وكل ذلك محتاج إلى القوة الناطقة أو فروعها ، والقوى الملكية على شرفها إنما تصلح لأعمال معينة قد سخرت لها لا تعدوها ولا تتصرف فيها بالتحليل والتركيب ، وما يذكر من تنوع تصرفها وصواب أعمالها إنما هو من توجيه الله تعالى إياها وتلقينه المعبر عنه بالتسخير ، وبذلك ظهر وجه ارتباط الأمر بالإنباء بهذا الشرط وقد تحير فيه كثير.
وإذا انتفى الإنباء انتفى كونهم صادقين في إنكارهم خلافة آدم ، فإن كان محل الصدق هو دعواهم أنهم أجدر فقد ثبت عدمها ، وإن كان محل التصديق هو دعواهم أن البشر غير صالح للاستخلاف فانتفاء الإنباء لا يدل على انتفاء دعواهم ولكنه تمهيد له لأن بعده إنباء آدم بالأسماء لأن المقام مؤذن بأنهم لما أمروا أمر تعجيز وجعل المأمور به دلالة على الصدق كان وراء ذلك إنباء آخر مترقبا من الذي طعنوا في جدارته ويدل لذلك أيضا قوله تعالى لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠].
[٣٢] (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢))
جرد (قالُوا) من الفاء لأنه محاورة كما تقدم عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] وافتتاح كلامهم بالتسبيح وقوف في مقام الأدب والتعظيم لذي العظمة المطلقة ، وسبحان اسم التسبيح وقد تقدم عند قوله : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) [البقرة : ٣٠] وهو اسم مصدر سبّح المضاعف وليس مصدرا لأنه لم يجىء على أبنية مصادر الرباعي وقيل هو مصدر سبح مخففا بمعنى نزه فيكون كالغفران والشكران ، والكفران من غفر وشكر وكفر وقد كثر استعماله منصوبا على المفعولية المطلقة بإضمار فعله ك (مَعاذَ اللهِ) [يوسف : ٢٣] وقد يخرج عن ذلك نادرا قال : «سبحانك اللهم ذا السبحان» وكأنهم لما خصصوه في الاستعمال بجعله كالعلم على التنزيه عدلوا عن قياس اشتقاقه فصار سبحان كالعلم الجنسي مثل برة وفجار ـ بكسر الراء ـ في قول النابغة :
فحملت برّة واحتملت فجار