الخلق فإن مساق الآية تمجيد الخالق لا عجائب مخلوقاته حتى يكون بمعنى مفعول ، ولا إلى تأويل الحكيم بمعنى ذي الحكمة لأن ذلك لا يجدي في دفع بحث مجيئه من غير ثلاثي.
وتعقيب العليم بالحكيم من اتباع الوصف بأخص منه فإن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم لأن الحكمة كمال في العلم فهو كقولهم خطيب مصقع وشاعر مفلق.
وفي «معارج النور» للشيخ لطف الله الأرضرومي : وفي الحكيم ذو الحكمة وهي العلم بالشيء وإتقان عمله وهو الإيجاد بالنسبة إليه والتدبير بأكمل ما تستعد له ذات المدبر (بفتح الباء) والاطلاع على حقائق الأمور ا ه.
وقال أبو حامد الغزالي في «المقصد الأسنى» : الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن المعرفة بأفضل الأشياء ، فأفضل العلوم العلم بالله وأجل الأشياء هو الله وقد سبق أنه لا يعرفه كنه معرفته غيره وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم فهو الحكيم الحق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم إذ أجل العلوم هو العلم الأزلي القديم الذي لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء ، ولا شبهة ولا يتصور ذلك إلا في علم الله ا ه. وسيجيء الكلام على الحكمة عند قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦٩].
و (أَنْتَ) في (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ضمير فصل ، وتوسيطه من صيغ القصر فالمعنى قصر العلم والحكمة على الله قصر قلب لردهم اعتقادهم أنفسهم أنهم على جانب من علم وحكمة حين راجعوا بقولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] أو تنزيلهم منزلة من يعتقد ذلك على الاحتمالين المتقدمين ، أو هو قصر حقيقي ادعائي مراد منه قصر كمال العلم والحكمة عليه تعالى.
[٣٣] (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣))
(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ).
لما دخل هذا القول في جملة المحاورة جردت الجملة من الفاء أيضا كما تقدم في نظائره لأنه وإن كان إقبالا بالخطاب على غير المخاطبين بالأقوال التي قبله فهو بمثابة