التقرير بالإثبات على الأصل نحو : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] وهو تقرير مراد به إبطال دعوى النصارى ، وقوله : (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) [الأنبياء : ٦٢].
[٣٤] (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤))
عطف على جملة (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] عطف القصة على القصة. وإعادة (إذ) بعد حرف العطف المغني عن إعادة ظرفه تنبيه على أن الجملة مقصودة بذاتها لأنها متميزة بهذه القصة العجيبة فجاءت على أسلوب يؤذن بالاستقلال والاهتمام ، ولأجل هذه المراعاة لم يؤت بهذه القصة معطوفة بفاء التفريع فيقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) وإن كان مضمونها في الواقع متفرعا على مضمون التي قبلها فإن أمرهم بالسجود لآدم ما كان إلا لأجل ظهور مزيته عليهم إذ علم ما لم يعلموه وذلك ما اقتضاه ترتيب ذكر هذه القصص بعضها بعد بعض ابتداء من خلق السماوات والأرض وما طرأ بعده من أطوار أصول العامرين الأرض وما بينها وبين السماء فإن الأصل في الكلام أن يكون ترتيب نظمه جاريا على ترتيب حصول مدلولاته في الخارج ما لم تنصب قرينة على مخالفة ذلك.
ولا يريبك قوله تعالى في سورة الحجر [٢٨ ، ٢٩] (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) لأن تلك حكت القصة بإجمال فطوت أنباءها طيّا جاء تبيينه في ما تكرر منها في آيات أخرى وأوضحها آية البقرة لاقتضاء الآية السابقة أن فضيلة آدم لم تظهر للملائكة إلا بعد تعليمه الأسماء وعرضها عليهم وعجزهم عن الإنباء بها وأنهم كانوا قبل ذلك مترقبين بيان ما يكشف ظنهم بآدم أن يكون مفسدا في الأرض بعد أن لازموا جانب التوقف لما قال الله لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠] ، فكان إنباء آدم بالأسماء عند عجزهم عن الإنباء بها بيانا لكشف شبهتهم فاستحقوا أن يأتوا بما فيه معذرة عن عدم علمهم بحقه.
وقد أريد من هذه القصة إظهار مزية نوع الإنسان وأن الله يخص أجناس مخلوقاته وأنواعها بما اقتضته حكمته من الخصائص والمزايا لئلا يخلو شيء منها عن فائدة من وجوده في هذا العالم ؛ وإظهار فضيلة المعرفة ، وبيان أن العالم حقيق بتعظيم من حوله إياه وإظهار ما للنفوس الشريرة الشيطانية من الخبث والفساد ، وبيان أن الاعتراف بالحق من