المكان ولذلك خص الدعاء بالمكسور في قولهم للمسافر لا تبعد ، قالت فاطمة بنت الأحجم الخزاعية :
إخوتي لا تبعدوا أبدا |
|
وبلى والله قد بعدوا |
وفي تعليق النهي بقربان الشجرة إشارة إلى منزع سد الذرائع وهو أصل من أصول مذهب مالك رحمهالله وفيه تفصيل مقرر في أصول الفقه.
والإشارة بهذه إلى شجرة مرئية لآدم وزوجه ، والمراد شجرة من نوعها أو كانت شجرة وحيدة في الجنة.
وقد اختلف أهل القصص في تعيين نوع هذه الشجرة فعن علي وابن مسعود وسعيد بن جبير والسدي أنها الكرمة ، وعن ابن عباس والحسن وجمهور المفسرين أنها الحنطة ، وعن قتادة وابن جريج ونسبه ابن جريج إلى جمع من الصحابة أنها شجرة التين. ووقع في سفر التكوين من التوراة إبهامها وعبر عنها بشجرة معرفة الخير والشر.
وقوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) أي من المعتدين وأشهر معاني الظلم في استعمال العرب هو الاعتداء ، والاعتداء إما اعتداء على نهي الناهي إن كان المقصود من النهي الجزم بالترك وإما اعتداء على النفس والفضيلة إن كان المقصود من النهي عن الأكل من الشجرة بقاء فضيلة التنعم لآدم في الجنة ، فعلى الأول الظلم لأنفسهما بارتكاب غضب الله وعقابه وعلى الثاني الظلم لأنفسهما بحرمانها من دوام الكرامة.
[٣٦] (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦))
الفاء عاطفة على قوله : (وَلا تَقْرَبا) [البقرة : ٣٥] وحقها إفادة التعقيب فيكون التعقيب عرفيا لأن وقوع الإزلال كان بعد مضي مدة هي بالنسبة للمدة المرادة من سكنى الجنة كالأمد القليل. والأحسن جعل الفاء للتفريع مجردة عن التعقيب.
والإزلال جعل الغير زالّا أي قائما به الزلل وهو كالزلق أن تسير الرجلان على الأرض بدون اختيار لارتخاء الأرض بطين ونحوه ، أي ذاهبة رجلاه بدون إرادة ، وهو مجاز مشهور في صدور الخطيئة والغلط المضر ومنه سمي العصيان ونحوه الزلل.
والضمير في قوله : (عَنْها) يجوز أن يعود إلى الشجرة لأنها أقرب وليتبين سبب