منه النفوس وتزيله ما دامت خلية عن غرض أو هوى ، وسمي باطلا لأنه فعل يذهب ضياعا وخسارا على صاحبه.
واللبس خلط بين متشابهات في الصفات يعسر معه التمييز أو يتعذر وهو يتعدى إلى الذي اختلط عليه بعدة حروف مثل على واللام والباء على اختلاف السياق الذي يقتضي معنى بعض تلك الحروف. وقد يعلق به ظرف عند. وقد يجرد عن التعليق بالحرف.
ويطلق على اختلاط المعاني وهو الغالب ، وظاهر كلام الراغب في «مفردات القرآن» أنه هو المعنى الحقيقي ، ويقال في الأمر لبسة بضم اللام أي اشتباه ، وفي حديث شق الصدر «فخفت أن يكون قد التبس بي» أي حصل اختلاط في عقلي بحيث لا يميز بين الرؤية والخيال ، وفعله من باب ضرب وأما فعل لبس الثياب فمن باب سمع.
فلبس الحق بالباطل ترويج الباطل في صورة الحق ، وهذا اللّبس هو مبدأ التضليل والإلحاد في الأمور المشهورة فإن المزاولين لذلك لا يروج عليهم قصد إبطالها فشأن من يريد إبطالها أن يعمد إلى خلط الحق بالباطل حتى يوهم أنه يريد الحق قال تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) [الأنعام : ١٣٧] لأنهم أوهموهم أن ذلك قربة إلى الأصنام.
وأكثر أنواع الضلال الذي أدخل في الإسلام هو من قبيل لبس الحق بالباطل ، فقد قال الذين ارتدوا من العرب ومنعوا الزكاة إننا كنا نعطي الزكاة للرسول ونطيعه فليس علينا طاعة لأحد بعه ، وهذا نقض لجامعة الملة في صورة الأنفة من الطاعة لغير الله ، وقد قال شاعرهم وهو الخطيل بن أوس :
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا |
|
فيا لعباد الله ما لأبي بكر |
وقد فعل ذلك الناقمون على عثمان رضياللهعنه فلبّسوا بأمور زينوها للعامة كقولهم رقي إلى مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم في المنبر وذلك استخفاف لأن الخليفتين قبله نزل كل منهما عن الدرجة التي كان يجلس عليها سلفه ، وسقط من يده خاتم النبي صلىاللهعليهوسلم وذلك رمز على سقوط خلافته. وقد قالت الخوارج «لا حكم إلا لله» فقال علي رضياللهعنه : «كلمة حق أريد بها باطل». وحرّف أقوام آيات بالتأويل البعيد ثم سموا ذلك بالباطن وزعموا أن للقرآن ظاهرا وباطنا فكان من ذلك لبس كثير ، ثم نشأت عن ذلك نحلة الباطنية ، ثم تأويلات المتفلسفين في الشريعة كأصحاب «الرسائل» الملقبين بإخوان الصفاء. ثم نشأ تلبيس الواعظين والمرغبين والمرجئة فأخذوا بعض الآيات فأشاعوها وكتموا ما يقيدها