أي التوراة يمرون فيها على الأوامر والنواهي من شأنه أن تذكرهم مخالفة حالهم لما يتلونه.
وقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) استفهام عن انتفاء تعقلهم استفهاما مستعملا في الإنكار والتوبيخ نزلوا منزلة من انتفى تعقله فأنكر عليهم ذلك ، ووجه المشابهة بين حالهم وحال من لا يعقلون أن من يستمر به التغفل عن نفسه وإهمال التفكر في صلاحها مع مصاحبة شيئين يذكرانه ، قارب أن يكون منفيا عنه التعقل.
وفعل (تَعْقِلُونَ) منزل منزلة اللازم أو هو لازم. وفي هذا نداء على كمال غفلتهم واضطراب حالهم. وكون هذا أمرا قبيحا فظيعا من أحوال البشر مما لا يشك فيه عاقل.
[٤٥ ، ٤٦] (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦))
خطاب لبني إسرائيل بالإرشاد إلى ما يعينهم على التخلق بجميع ما عدد لهم من الأوامر والنواهي الراجعة إلى التحلي بالمحامد والتخلي عن المذمات ، له أحسن وقع من البلاغة فإنهم لما خوطبوا بالترغيب والترهيب والتنزيه والتشويه ظن بهم أنهم لم يبق في نفوسهم مسلك للشيطان ولا مجال للخذلان وأنهم أنشئوا يتحفزون للامتثال والائتساء ، إلا أن ذلك الإلف القديم يثقل أرجلهم في الخطو إلى هذا الطريق القويم ، فوصف لهم الدواء الذي به الصلاح وريش بقادمتي الصبر والصلاة منهم الجناح.
فالأمر بالاستعانة بالصبر لأن الصبر ملاك الهدى فإن مما يصد الأمم عن اتباع دين قويم إلفهم بأحوالهم القديمة وضعف النفوس عن تحمل مفارقتها فإذا تدرعوا بالصبر سهل عليهم اتباع الحق. وأما الاستعانة بالصلاة فالمراد تأكد الأمر بها الذي في قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٣] وهذا إظهار لحسن الظن بهم وهو طريق بديع من طرق الترغيب.
ومن المفسرين من زعم أن الخطاب في قوله : (وَاسْتَعِينُوا) إلخ للمسلمين على وجه الانتقال من خطاب إلى خطاب آخر ، وهذا وهم لأن وجود حرف العطف ينادي على خلاف ذلك ولأن قوله : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) مراد به إلا على المؤمنين حسبما بينه قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) الآية اللهم إلا أن يكون من الإظهار في مقام الإضمار