وهو خلاف الظاهر مع عدم وجود الداعي. والذي غرهم بهذا التفسير توهم أنه لا يؤمر بأن يستعين بالصلاة من لم يكن قد آمن بعد وأي عجب في هذا؟ وقريب منه آنفا قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة : ٤٣] خطابا لبني إسرائيل لا محالة.
والصبر عرفه الغزالي في «إحياء علوم الدين» بأنه ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة وهو تعريف خاص بالصبر الشرعي صالح لأن يكون تفسيرا للآية لأنها في ذكر الصبر الشرعي ، وأما الصبر من حيث هو ـ الذي هو وصف كمال ـ فهو عبارة عن احتمال النفس أمرا لا يلائمها إما لأن مآله ملائم ، أو لأن عليه جزاء عظيما فأشبه ما مآله ملائم ، أو لعدم القدرة على الانتقال عنه إلى غيره مع تجنب الجزع والضجر ، فالصبر احتمال وثبات على ما لا يلائم ، وأقل أنواعه ما كان عن عدم المقدرة ولذا ورد في «الصحيح» : «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» أي الصبر الكامل هو الذي يقع قبل العلم بأن التفصي عن ذلك الأمر غير ممكن وإلا فإن الصبر عند اعتقاد عدم إمكان التفصي إذا لم يصدر منه ضجر وجزع هو صبر حقيقة. فصيغة الحصر في قوله «إنما الصبر» حصر ادعائي للكمال كما في قولهم أنت الرجل.
والصلاة أريد بها هنا معناها الشرعي في الإسلام وهي مجموع محامد لله تعالى ، قولا وعملا واعتقادا فلا جرم كانت الاستعانة المأمور بها هنا راجعة لأمرين : الصبر والشكر. وقد قيل إن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر كما في «الإحياء» وهو قول حسن ، ومعظم الفضائل ملاكها الصبر إذ الفضائل تنبعث عن مكارم الخلال ، والمكارم راجعة إلى قوة الإرادة وكبح زمام النفس عن الإسامة في شهواتها بإرجاع القوتين الشهوية والغضبية عما لا يفيد كمالا أو عما يورث نقصانا فكان الصبر ملاك الفضائل فما التحلم والتكرم والتعلم والتقوى والشجاعة والعدل والعمل في الأرض ونحوها إلا من ضروب الصبر. ومما يؤثر عن علي رضياللهعنه : الشجاعة صبر ساعة. وقال زفر بن الحارث الكلابي يعتذر عن انهزام قومه :
سقيناهم كاسا سقونا بمثلها |
|
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا |
وحسبك بمزية الصبر أن الله جعله مكمل سبب الفوز في قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر : ١ ـ ٣] وقال هنا : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ). قال الغزالي : ذكر الله