جمع لهم من المحامد التي تتصف بها القبائل والأمم ما لم يجمعه لغيرهم وهي شرف النسب وكمال الخلق وسلامة العقيدة وسعة الشريعة والحرية والشجاعة ، وعناية الله تعالى بهم في سائر أحوالهم ، وقد أشارت إلى هذا آية : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٢٠] وهذه الأوصاف ثبتت لأسلافهم في وقت اجتماعها وقد شاع أن الفضائل تعود على الخلف بحسن السمعة وإن كان المخاطبون يومئذ لم يكونوا بحال التفضيل على العالمين ولكنهم ذكروا بما كانوا عليه فإن فضائل الأمم لا يلاحظ فيها الأفراد ولا العصور. ووجه زيادة الوصف بقوله : (الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) مر في أختها الأولى.
[٤٨] (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨))
عطف التحذير على التذكير ، فإنه لما ذكرهم بالنعمة وخاصة تفضيلهم على العالمين في زمانهم وكان ذلك منشأ غرورهم بأنه تفضيل ذاتي فتوهموا أن التقصير في العمل الصالح لا يضرهم فعقب بالتحذير من ذلك.
والمراد بالتقوى هنا معناها المتعارف في اللغة لا المعنى الشرعي. وانتصاب (يَوْماً) على المفعولية به وليس على الظرفية ولذلك لم يقرأ بغير التنوين.
والمراد باتقائه اتقاؤه من حيث ما يحدث فيه من الأهوال والعذاب فهو من إطلاق اسم الزمان على ما يقع فيه كما تقول مكان مخوف.
و (تَجْزِي) مضارع جزى بمعنى قضى حقا عن غيره ، وهو متعد بعن إلى أحد مفعوليه فيكون (شَيْئاً) مفعوله الأول ، ويجوز أيضا أن يكون مفعولا مطلقا إذا أريد شيئا من الجزاء ويكون المفعول محذوفا.
وجملة : (لا تَجْزِي نَفْسٌ) صفة ليوما وكان حق الجملة إذا كانت خبرا أو صفة أو حالا أو صلة أن تشتمل على ضمير ما أجريت عليه ، ويكثر حذفه إذا كان منصوبا أو ضميرا مجرورا فيحذف مع جاره ولا سيما إذا كان الجار معلوما لكون متعلقه الذي في الجملة لا يتعدى إلا بجار معين كما هنا تقديره فيه وإنما جاز حذفه لأن المحذوف فيه متعين من الكلام وقد يحذف لقرينة كما في حذف ضمير الموصول إذا جر بما جر به الموصول. ونظير هذا الحذف قول العريان الجرمي من جرم طيئ :