التعذيب. وبعد فمن حق الحكمة أن لا يستوي الكافرون والعصاة في مدة العذاب ولا في مقداره ، فهذه قولة ضعيفة من أقوالهم حتى على مراعاة أصولهم ، وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني إجماع الأمة قبل حدوث البدع على ثبوت الشفاعة في الآخرة ، وهو حق فقد قال سواد بن قارب يخاطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة |
|
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب |
وأما الشفاعة الكبرى العامة لجميع أهل موقف الحساب الوارد فيها الحديث الصحيح المشهور فإن أصول المعتزلة لا تأباها.
وقوله : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) والعدل ـ بفتح العين ـ يطلق على الشيء المساوي شيئا والمماثل له ولذلك جعل ما يفتدي به عن شيء عدلا وهو المراد هنا كما في قوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] فالمعنى : ولا يقبل منها ما تفتدي به عوضا عن جرمها.
والنصر هو إعانة العدو على عدوه ومحاربه إما بالدفاع معه أو الهجوم معه فهو في العرف مراد منه الدفاع بالقوة الذاتية وأما إطلاقه على الدفاع بالحجة نحو (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران : ٥٢] وعلى التشيع والاتباع نحو (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] فهو استعارة.
[٤٩] (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩))
عطف على قوله : (نِعْمَتِيَ) [البقرة : ٤٧] فيجعل (إذ) مفعولا به كما هو في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) [الأعراف : ٨٦] فهو هنا اسم زمان غير ظرف لفعل والتقدير اذكروا وقت نجيناكم ، ولما غلبت إضافة أسماء الزمان إلى الجمل وكان معنى الجملة بعدها في معنى المصدر وكان التقدير اذكروا وقت إنجائنا إياكم ، وفائدة العدول عن الإتيان بالمصدر الصريح لأن في الإتيان بإذ المقتضية للجملة استحضارا للتكوين العجيب المستفاد من هيئة الفعل لأن الذهن إذا تصور المصدر لم يتصور إلا معنى الحدث وإذا سمع الجملة الدالة عليه تصور حدوث الفعل وفاعله ومفعوله ومتعلقاته دفعة واحدة فنشأت من ذلك صورة عجيبة ، فوزان الإتيان بالمصدر وزان الاستعارة المفردة ، وزان الإتيان بالفعل وزان الاستعارة التمثيلية ، وليس هو عطفا على جملة (اذْكُرُوا) [البقرة : ٤٧]