والبلاء الاختبار بالخير والشر قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] وهو مجاز مشهور حقيقته بلاء الثواب ـ بفتح الباء مع المد وبكسرها مع القصر ـ وهو تخلقه وترهله ولما كان الاختبار يوجب الضجر والتعب سمي بلاء كأنه يخلق النفس ، ثم شاع في اختبار الشر لأنه أكثر إعناتا للنفس ، وأشهر استعماله إذا أطلق أن يكون للشر فإذا أرادوا به الخير احتاجوا إلى قرينة أو تصريح كقول زهير :
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم |
|
وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو |
فيطلق غالبا على المصيبة التي تحل بالعبد لأن بها يختبر مقدار الصبر والأناة والمراد هنا المصيبة بدليل قوله (عَظِيمٌ). وقيل أراد به الإنجاء والبلاء بمعنى اختبار الشكر وهو بعيد هنا.
وتعلق الإنجاء بالمخاطبين لأن إنجاء سلفهم إنجاء لهم فإنه لو أبقى سلفهم هنالك للحق المخاطبين سوء العذاب وتذبيح الأبناء ، أو هو على حذف مضاف أي نجينا آباءكم ، أو هو تعبير عن الغائب بضمير الخطاب إما لنكتة استحضار حاله وإما لكون المخاطبين مثالهم وصورتهم فإن ما يثبت من الفضائل لآباء القبيلة يثبت لأعقابهم فالإتيان بضمير المخاطب على خلاف مقتضى الظاهر على حد ما يقال في قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١] فالخطاب ليس بالتفات لأن اعتبار أحوال القبائل يعتبر للخلف ما ثبت منه للسلف.
[٥٠] (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠))
هذا زيادة في التفصيل بذكر نعمة أخرى عظيمة خارقة للعادة ، بها كان تمام الإنجاء من آل فرعون ، وفيها بيان مقدار إكرام الله تعالى لهم ومعجزة لموسى عليهالسلام وتعدية فعل (فَرَقْنا) إلى ضمير المخاطبين بواسطة الحرف جار على نحو تعدية فعل (نَجَّيْناكُمْ) [البقرة : ٤٩] إلى ضميرهم كما تقدم.
وفرق وفرّق بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد إذ التشديد يفيده تعدية ومعناه الفصل بين أجزاء شيء متصل الأجزاء ، غير أن فرق يدل على شدة التفرقة وذلك إذا كانت الأجزاء المفرقة أشد اتصالا ، وقد قيل إن فرّق للأجسام وفرق للمعاني نقله القرافي عن بعض مشايخه (١) وهو غير تام كما تقدم في المقدمة الأولى من مقدمات هذا التفسير بدليل
__________________
(١) «الفروق» للقرافي ١ / ٤ ـ عالم الكتب.