الرجاء في كلام الله تعالى عند قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) إلى قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١]. ومعنى الشكر تقدم في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢] وللغزالي فيه باب حافل عدلنا عن ذكره لطوله فارجع إليه في كتاب «الإحياء».
[٥٣] (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣))
هذا تذكير بنعمة نزول الشريعة التي بها صلاح أمورهم وانتظام حياتهم وتأليف جماعتهم مع الإشارة إلى تمام النعمة وهم يعدونها شعار مجدهم وشرفهم لسعة الشريعة المنزلة لهم حتى كانت كتابا فكانوا به أهل كتاب أي أهل علم تشريع.
والمراد من (الكتاب) التوراة التي أوتيها موسى فالتعريف للعهد ، ويعتبر معها ما ألحق بها على نحو ما قدمناه في قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ٢].
والفرقان مصدر بوزن فعلان مشتق من الفرق وهو الفصل استعير لتمييز الحق من الباطل فهو وصف لغوي للتفرقة فقد يطلق على كتاب الشريعة وعلى المعجزة وعلى نصر الحق على الباطل وعلى الحجة القائمة على الحق وعلى ذلك جاءت آيات (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [الفرقان : ١] (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) [الأنبياء : ٤٨] فلعله أراد المعجزات لأن هارون لم يؤت وحيا وقال : (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤١] يعني يوم النصر يوم بدر وقال : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) [آل عمران : ٤] عطفا على (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [آل عمران : ٣] الآية.
والظاهر أن المراد به هنا المعجزة أو الحجة لئلا يلزم عطف الصفة على موصوفها إن أريد بالفرقان الكتاب الفارق بين الحق والباطل والصفة لا يجوز أن تتبع موصوفها بالعطف ومن نظر ذلك بقول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
فقد سها لأن ذلك من عطف بعض الصفات على بعض لا من عطف الصفة على الموصوف كما نبه عليه أبو حيان.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) هو محل المنة لأن إتيان الشريعة لو لم يكن لاهتدائهم وكان قاصرا على عمل موسى به لم يكن فيه نعمة عليهم. والقول في (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) كالقول في (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة : ٥٢] السابق.