بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
الحمد لله على أن بيّن للمستهدين معالم مراده ، ونصب لجحافل المستفتحين أعلام أمداده ، فأنزل القرآن قانونا عاما معصوما ، وأعجز بعجائبه فظهرت يوما فيوما ، وجعله مصدّقا لما بين يديه ومهيمنا ، وما فرط فيه من شيء يعظ مسيئا ويعد محسنا ، حتى عرفه المنصفون من مؤمن وجاحد ، وشهد له الراغب والمحتار والحاسد ، فكان الحال بتصديقه أنطق من اللسان ، وبرهان العقل فيه أبصر من شاهد العيان ، وأبرز آياته في الآفاق فتبيّن للمؤمنين أنه الحق ، كما أنزله على أفضل رسول فبشّر بأنّ لهم قدم صدق ، فبه أصبح الرسول الأمّي سيد الحكماء المربين ، وبه شرح صدره إذا قال : (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل : ٧٩] ، فلم يزل كتابه مشعّا نيّرا ، محفوظا من لدنه أن يترك فيكون مبدّلا ومغيّرا. ثم قيض لتبيينه أصحابه الأشداء الرحماء ، وأبان أسراره من بعدهم في الأمة من العلماء ، فصلاة الله وسلامه على رسوله وآله الطاهرين ، وعلى أصحابه نجوم الاقتداء للسائرين والماخرين (١).
أما بعد فقد كان أكبر أمنيتي منذ أمد بعيد تفسير الكتاب المجيد ، الجامع لمصالح الدنيا والدين ، وموثق شديد العرى من الحق المتين ، والحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها ، والآخذ قوس البلاغة من محل نياطها ، طمعا في بيان نكت من العلم وكليات من التشريع ، وتفاصيل من مكارم الأخلاق ، كان يلوح أنموذج من جميعها في خلال تدبره ، أو مطالعة كلام مفسّره (٢) ، ولكني كنت على كلفي بذلك أتجهم التقحّم على هذا
__________________
(١) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فبنيت على هذا التشبيه تشبيه المهتدين بهم بفريقين : فريق سائرون في البر ـ وفي ذلك تشبيه عملهم في الإهداء ، وهو اتباع طريق السنة بالسير في طرق البر ـ وفريق ماخرون أي سائرون في الفلك المواخر في البحر ، وتضمن ذلك تشبيه عملهم في الإهداء وهو الخوض في العلوم بالمخر في البحر ، ومن ذلك الإشارة إلى أن العلم كالبحر كما هو شائع ، وأن السنة كالسبيل المبلغ للمقصود.
(٢) أشير بهذا إلى أن المهم من كلام المفسرين يرشد إلى الزيادة على ما ذكروه ، والذي دون ذلك من