[١٦٢] (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) ـ أي الذين هادوا ـ (وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الآية ، ولأنهم القدوة لغيرهم كما قال تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) [البقرة : ١٣٧] فالمراد من الذين آمنوا في هذه الآية هم المسلمون الذين صدقوا بالنبيء محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا لقب للأمة الإسلامية في عرف القرآن.
و (الَّذِينَ هادُوا) هم بنو إسرائيل وقد مضى الكلام عليهم وإنما نذكر هنا وجه وصفهم بالذين هادوا ، ومعنى (هادوا) كانوا يهودا أو دانوا بدين اليهود. وأصل اسم يهود منقول في العربية من العبرانية وهو في العبرانية بذال معجمة في آخره وهو علم أحد أسباط إسرائيل ، وهذا الاسم أطلق على بني إسرائيل بعد موت سليمان سنة ٩٧٥ قبل المسيح فإن مملكة إسرائيل انقسمت بعد موته إلى مملكتين مملكة رحبعام بن سليمان ولم يتبعه إلا سبط يهوذا وسبط بنيامين وتلقب بمملكة يهوذا لأن معظم أتباعه من سبط يهوذا وجعل مقر مملكته هو مقر أبيه (أورشليم) ، ومملكة ملكها يوربعام بن بناط غلام سليمان وكان شجاعا نجيبا فملّكته بقية الأسباط العشرة عليهم وجعل مقر مملكته السامرة وتلقب بملك إسرائيل إلا أنه وقومه أفسدوا الديانة الموسوية وعبدوا الأوثان فلأجل ذلك انفصلوا عن الجامعة الإسرائيلية ولم يدم ملكهم في السامرة إلا مائتين ونيفا وخمسين سنة ثم انقرض على يد ملوك الآشوريين فاستأصلوا الإسرائيليين الذين بالسامرة وخربوها ونقلوا بني إسرائيل إلى بلاد آشور عبيدا لهم وأسكنوا بلاد السامرة فريقا من الآشوريين فمن يومئذ لم يبق لبني إسرائيل ملك إلا ملك يهوذا بأورشليم يتداوله أبناء سليمان عليهالسلام فمنذ ذلك غلب على بني إسرائيل اسم يهود أي يهوذا ودام ملكهم هذا إلى حد سنة ١٢٠ قبل المسيح مسيحية في زمن الأمبراطور أدريان الروماني الذي أجلى اليهود الجلاء الأخير فتفرقوا في الأقطار باسم اليهود هم ومن التحق بهم من فلول بقية الأسباط. ولعل هذا وجه اختيار لفظ (الَّذِينَ هادُوا) في الآية دون اليهود للإشارة إلى أنهم الذين انتسبوا إلى اليهود ولو لم يكونوا من سبط يهوذا. ثم صار اسم اليهود مطلقا على المتدينين بدين التوراة قال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) [البقرة : ١١٣] الآية ويقال تهوّد إذا اتبع شريعة التوراة وفي الحديث : «يولد الولد على الفطرة ثم يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه». ويقال هاد إذا دان باليهودية قال تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام : ١٤٦]. وأما ما في سورة الأعراف [١٥٦] من قول موسى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) فذلك بمعنى المتاب.