وأما النصارى فهو اسم جمع نصرى (فتح فسكون) أو ناصري نسبة إلى الناصرة وهي قرية نشأت منها مريم أم المسيح عليهماالسلام وقد خرجت مريم من الناصرة قاصدة بيت المقدس فولدت المسيح في بيت لحم ولذلك كان بنو إسرائيل يدعونه يشوع الناصري أو النّصرى فهذا وجه تسمية أتباعه بالنصارى.
وأما قوله : (وَالصَّابِئِينَ) فقرأه الجمهور بهمزة بعد الموحدة على صيغة جمع صابئ بهمزة في آخره ، وقرأه نافع وحده بياء ساكنة بعد الموحدة المكسورة على أنه جمع صاب منقوصا فأما على قراءة الجمهور فالصابئون لعله جمع صابئ وصابئ لعله اسم فاعل صبأ مهموزا أي ظهر وطلع ، يقال صبأ النجم أي طلع وليس هو من صبا يصبو إذا مال لأن قراءة الهمز تدل على أن ترك تخفيف الهمز في غيرها تخفيف لأن الأصل توافق القراءات في المعنى. وزعم بعض علماء الأفرنج (١) أنهم سموا صابئة لأن دينهم أتى به قوم من سبأ. وأما على قراءة نافع فجعلوها جمع صاب مثل رام على أنه اسم فاعل من صبا يصبو إذا مال قالوا : لأن أهل هذا الدين مالوا عن كل دين إلى دين عبادة النجوم (ولو قيل لأنهم مالوا عن أديان كثيرة إذ اتخذوا منها دينهم كما ستعرفه لكان أحسن). وقيل إنما خفّف نافع همزة (الصابين) فجعلها ياء مثل قراءته (سَأَلَ سائِلٌ) [المعارج : ١] ، ومثل هذا التخفيف سماعي لأنه لا موجب لتخفيف الهمز المتحرك بعد حرف متحرك.
والأظهر عندي أن أصل كلمة الصابي أو الصابئة أو ما تفرع منها هو لفظ قديم من لغة عربية أو سامية قديمة هي لغة عرب ما بين النهرين من العراق وفي «دائرة المعارف الإسلامية» (٢) أن اسم الصابئة مأخوذ من أصل عبري هو (ص ب ع) أي غطس عرفت به طائفة (المنديا) وهي طائفة يهودية نصرانية في العراق يقومون بالتعميد كالنصارى.
ويقال الصابئون بصيغة جمع صابئ والصابئة على أنه وصف لمقدر أي الأمة الصابئة وهم المتدينون بدين الصابئة ولا يعرف لهذا الدّين إلا اسم الصابئة على تقدير مضاف أي دين الصابئة إضافة إلى وصف أتباعه ويقال دين الصابئة. وهذا الدين دين قديم ظهر في بلاد الكلدان في العراق وانتشر معظم أتباعه فيما بين الخابور ودجلة وفيما بين الخابور والفرات فكانوا في البطائح وكسكر في سواد واسط وفي حرّان من بلاد الجزيرة.
__________________
(١) انظر جديد لاروس باللغة الفرنسية.
(٢) في فصل حرره المستشرق (كارارفو).