ليكون عودا على بدء فيرتبط باسم (إنّ) الذي جيء بالموصول أو الشرط بدلا منه أو خبرا عنه حتى يعلم أن هذا الحكم العام مراد منه ذلك الخاص أوّلا ، كأنه قيل إن الذين آمنوا إلخ كل من آمن بالله وعمل إلخ فلأولئك الذين آمنوا أجرهم فعلم أنهم مما شمله العموم على نحو ما يذكره المناطقة في طي بعض المقدمات للعلم به ، فهو من العام الوارد على سبب خاص.
وقوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) قراءة الجميع بالرفع لأن المنفي خوف مخصوص وهو خوف الآخرة. والتعبير في نفي الخوف بالخبر الاسمي وهو (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) لإفادة نفي جنس الخوف نفيا قارا ، لدلالة الجملة الاسمية على الدوام والثبات ، والتعبير في نفي خوف بالخبر الفعلي وهو (يَحْزَنُونَ) لإفادة تخصيصهم بنفي الحزن في الآخرة أي بخلاف غير المؤمنين. ولما كان الخوف والحزن متلازمين كانت خصوصية كل منهما سارية في الآخر.
واعلم أن قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) مقابل لقوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) [البقرة : ٦١] ولذلك قرن بعند الدالة على العناية والرضى. وقوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) مقابل (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) [البقرة : ٦١] لأن الذلة ضد العزة فالذليل خائف لأنه يخشى العدوان والقتل والغزو ، وأما العزيز فهو شجاع لأنه لا يخشى ضرا ويعلم أن ما قدره له فهو كائن قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] وقوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مقابل قوله : (وَالْمَسْكَنَةُ) لأن المسكنة تقضي على صاحبها بالحزن وتمني حسن العيش قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧] فالخوف المنفي هو الخوف الناشئ عن الذلة والحزن المنفي هو الناشئ عن المسكنة.
[٦٣ ، ٦٤] (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤))
تذكير بقصة أخرى أرى الله تعالى أسلافهم فيها بطشه ورحمته فلم يرتدعوا ولم يشكروا وهي أن أخذ الميثاق عليهم بواسطة موسى عليهالسلام أن يعملوا بالشريعة وذلك حينما تجلى الله لموسى عليهالسلام في الطور تجليا خاصا للجبل فتزعزع الجبل وتزلزل وارتجف وأحاط به دخان وضباب ورعود وبرق كما ورد في صفة ذلك في الفصل التاسع