[٦٨] (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨))
جيء في مراجعتهم لنبيهم بالطريقة المألوفة في حكاية المحاورات ، وهي طريقة حذف العاطف بين أفعال القول وقد بيناها لكم في قصة خلق آدم.
ومعنى (ادْعُ لَنا) يحتمل أن يراد منه الدعاء الذي هو طلب بخضوع وحرص على إجابة المطلوب فيكون في الكلام رغبتهم في حصول البيان لتحصيل المنفعة المرجوة من ذبح بقرة مستوفية للصفات المطلوبة في القرابين المختلفة المقاصد ، بنوه على ما ألفوه من الأمم عبدة الأوثان من اشتراط صفات وشروط في القرابين المقربة تختلف باختلاف المقصود من الذبيحة ، ويحتمل أنهم أرادوا مطلق السؤال فعبروا عنه بالدعاء لأنه طلب من الأدنى إلى الأعلى ، ويحتمل أنهم أرادوا من الدعاء النداء الجهير بناء على وهمهم أن الله بعيد المكان ، فسائله يجهر بصوته ، وقد نهي المسلمون عن الجهر بالدعاء في صدر الإسلام.
واللام في قوله (لَنا) لام الأجل أي ادع عنا ، وجزم (يُبَيِّنْ) في جواب (ادْعُ) لتنزيل المسبب منزلة السبب ، أي إن تدعه يسمع فيبين وقد تقدم.
وقوله : (ما هِيَ) حكى سؤالهم بما يدل عليه بالسؤال ب (ما) في كلام العرب وهو السؤال عن الصفة لأن (ما) يسأل بها عن الصفة ، كما يقول من يسمع الناس يذكرون حاتما أو الأحنف وقد علم أنهما رجلان ولم يعلم صفتيهما ما حاتم؟ أو ما الأحنف؟ فيقال : كريم أو حليم.
وليس (ما) موضوعة للسؤال عن الجنس كما توهمه بعض الواقفين على كلام «الكشاف» فتكلفوا لتوجيهه حيث إن جنس البقرة معلوم بأنهم نزلوا هاته البقرة المأمور بذبحها منزلة فرد من جنس غير معلوم لغرابة حكمة الأمر بذبحها وظنوا أن الموقع هنا للسؤال ب (أي) أو (كيف) وهو وهم نبه عليه التفتازانيّ في «شرح الكشاف» واعتضد له بكلام «المفتاح» إذ جعل الجنس والصفة قسمين للسؤال بما.
والحق أن المقام هنا للسؤال بما لأن أيّا إنما يسأل بها عن مميز الشيء عن أفراد من نوعه التبست به وعلامة ذلك ذكر المضاف إليه مع أي نحو : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ) [مريم : ٧٣] وأي البقرتين أعجبتك وليس لنا هنا بقرات معينات يراد تمييز إحداها.