و (مسلمة) أي سليمة من عيوب نوعها فهو اسم مفعول من سلمت المبني للمفعول وكثيرا ما تذكر الصفات التي تعرض في أصل الخلقة بصيغة البناء للمجهول في الفعل والوصف إذ لا يخطر على باب المتكلم تعيين فاعل ذلك ، ومن هذا معظم الأفعال التي التزم فيها البناء للمجهول.
وقوله : (لا شِيَةَ فِيها) صفة أخرى تميز هذه البقرة عن غيرها. والشية العلامة وهي بزنة فعلة من وشى الثوب إذا نسجه ألوانا وأصل شية وشية ويقول العرب ثوب موشى وثوب وشي ، ويقولون : ثور موشى الأكارع لأن في أكارع ثور الوحش سواد يخالط صفرته فهو ثور أشية ونظائره قولهم فرس أبلق ، وكبش أدرع ، وتيس أزرق وغراب أبقع ، بمعنى مختلط لونين.
وقوله : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) أرادوا بالحق الأمر الثابت الذي لا احتمال فيه كما تقول جاء بالأمر على وجهه ، ولم يريدوا من الحق ضد الباطل لأنهم ما كانوا يكذبون نبيهم.
فإن قلت : لما ذا ذكر هنا بلفظ الحق؟ وهلا قيل قالوا : الآن جئت بالبيان أو بالثبت؟
قلت : لعل الآية حكت معنى ما عبر عنه اليهود لموسى بلفظ هو في لغتهم محتمل للوجهين فحكى بما يرادفه من العربية تنبيها على قلة اهتمامهم بانتقاء الألفاظ النزيهة في مخاطبة أنبيائهم وكبرائهم كما كانوا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم (راعِنا) ، فنهينا نحن عن أن نقوله بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا) [البقرة : ١٠٤] وهم لقلة جدارتهم بفهم الشرائع قد توهموا أن في الأمر بذبح بقرة دون بيان صفاتها تقصيرا كأنهم ظنوا الأمر بالذبح كالأمر بالشراء فجعلوا يستوصفونها بجميع الصفات واستكملوا موسى لما بين لهم الصفات التي تختلف بها أغراض الناس في الكسب للبقر ظنا منهم أن في علم النبي بهذه الأغراض الدنيوية كمالا فيه ، فلذا مدحوه بعد البيان بقولهم (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) كما يقول الممتحن للتلميذ بعد جمع صور السؤال : الآن أصبت الجواب ، ولعلهم كانوا لا يفرقون بين الوصف الطردي وغيره في التشريع ، فليحذر المسلمون أن يعقلوا في فهم الدين على شيء مما وقع فيه أولئك وذموا لأجله.
(فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ).
عطفت الفاء جملة (فَذَبَحُوها) على مقدر معلوم وهو فوجدوها أو فظفروا بها أو