لصحته وجه فما اعتذر به عنه ابن مالك في «شرح التسهيل» ضعيف. وأما دعوى المجاز فيه فيضعفها اطراد هذا الاستعمال حتى في آية (لَمْ يَكَدْ يَراها) فإن الواقف في الظلام إذا مد يده يراها بعناء وقال تأبط شرا «فأبت إلى فهم وما كدت آئبا» وقال تعالى : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) [الزخرف : ٥٢]. وإنما قال : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ولم يقل يذبحون كراهية إعادة اللفظ تفننا في البيان.
[٧٢ ، ٧٣] (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣))
تصديره بإذ على طريقة حكاية ما سبق من تعداد النعم والألطاف ومقابلتهم إياها بالكفران والاستخفاف يومئ إلى أن هذه قصة غير قصة الذبح ولكنها حدثت عقب الأمر بالذبح لإظهار شيء من حكمة ذلك الأمر الذي أظهروا استنكاره عند سماعه إذ قالوا (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) [البقرة : ٦٧] وفي ذلك إظهار معجزة لموسى. وقد قيل إن ما حكى في هذه الآية هو أول القصة وإن ما تقدم هو آخرها ، وذكروا للتقديم نكتة تقدم القول في بيانها وتوهينها.
وليس فيما رأيت من كتب اليهود ما يشير إلى هذه القصة فلعلها مما أدمج في قصة البقرة المتقدمة لم تتعرض السورة لذكرها لأنها كانت معجزة لموسى عليهالسلام ولم تكن تشريعا بعده.
وأشار قوله : (قَتَلْتُمْ) إلى وقوع قتل فيهم وهي طريقة القرآن في إسناد أفعال البعض إلى الجميع جريا على طريقة العرب في قولهم : قتلت بنو فلان فلانا ، قال النابغة يذكر بني حنّ (١) :
وهم قتلوا الطائي بالجو عنوة |
|
أبا جابر واستنكحوا أم جابر |
وذلك أن نفرا من اليهود قتلوا ابن عمهم الوحيد ليرثوا عمهم وطرحوه في محلة قوم وجاءوا موسى يطالبون بدم ابن عمهم بهتانا وأنكر المتهمون فأمره الله بأن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فينطق ويخبر بقاتله ، والنفس الواحد من الناس لأنه صاحب نفس أي روح وتنفس وهي مأخوذة من التنفس وفي الحديث «ما من نفس منفوسة» ولإشعارها بمعنى
__________________
(١) بحاء مهملة مضمومة ونون مشددة حي من عذرة.