أجزاء من معدن الحامض الفحمي فإن له قوة على تحليل الكلس فيحدث ثقبا في الصخور الكلسية حتى يخرقها فيخرج منها نابعا كالعيون. وإذا اجتمعت العيون في موضع نشأت عنها الأنهار كالنيل النابع من جبال القمر ، وأما الصخور غير الكلسية فلا يفتتها الماء ولكن قد يعرض لها انشقاق بالزلازل أو بفلق الآلات فيخرج منها الماء إما إلى ظاهر الأرض كما نرى في الآبار وقد يخرج منها الماء إلى طبقة تحتها فيختزن تحتها حتى يخرج بحالة من الأحوال السابقة. وقد يجد الماء في سيره قبل الدخول تحت الصخر أو بعده منفذا إلى أرض ترابية فيخرج طافيا من سطح الصخور التي جرى فوقها. وقد يجد الماء في سيره منخفضات في داخل الأرض فيستقر فيها ثم إذا انضمت إليه كميات أخرى تطلّب الخروج بطريق من الطرق المتقدمة ولذلك يكثر أن تنفجر الأنهار عقب الزلازل.
والخشية في الحقيقة الخوف الباعث على تقوى الخائف غيره. وهي حقيقة شرعية في امتثال الأمر التكليفي لأنها الباعث على الامتثال. وجعلت هنا مجازا عن قبول الأمر التكويني إما مرسلا بالإطلاق والتقييد ، وإما تمثيلا للهيئة عند التكوين بهيئة المكلّف إذ ليست للحجارة خشية إذ لا عقل لها. وقد قيل إن إسناد (يهبط) للحجر مجاز عقلي والمراد هبوط القلوب أي قلوب الناظرين إلى الصخور والجبال أي خضوعها فأسند الهبوط إليها لأنها سببه كما قالوا ناقة تاجرة أي تبعث من يراها على المساومة فيها (١).
وقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) تذييل في محل الحال أي فعلتم ما فعلتم وما الله بغافل عن كل صنعكم.
وقد قرأه الجمهور بالتاء الفوقية تكملة خطاب بني إسرائيل ، وقرأ ابن كثير ويعقوب وخلف (يعملون) بالياء التحتية وهو انتقال من خطابهم إلى خطاب المسلمين فلذلك غيّر أسلوبه إلى الغيبة وليس ذلك من الالتفات لاختلاف مرجع الضميرين لأن تفريع قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) [البقرة : ٧٥] عليه دل على أن الكلام نقل من خطاب بني إسرائيل إلى خطاب المسلمين. وهو خبر مراد به التهديد والوعيد لهم مباشرة أو تعريضا.
[٧٥] (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ
__________________
(١) قال النابغة يصف نخلا :
بزاخية ألوت بليف كأنه |
|
عفاء قلاص طار عنها تواجر |