يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥))
هذا اعتراض استطرادي بين القصة الماضية والقصة التي أولها : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ) [البقرة : ٨٣] فجميع الجمل من قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ) إلى قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا) داخلة في هذا الاستطراد.
والفاء لتفريع الاستفهام الإنكاري أو التعجيبي على جملة (ثُمَّ قَسَتْ) [البقرة : ٧٤] أو على مجموع الجمل السابقة لأن جميعها مما يقتضي اليأس من إيمانهم بما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم فكأنّه قيل : فلا تطمعوا أن يؤمنوا لكم أو فاعجبوا من طمعكم ، وسيأتي تحقيق موقع الاستفهام مع حرف العطف في مثله عند قوله تعالى : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ) [البقرة : ٨٧].
والطمع ترقب حصول شيء محبوب وهو يرادف الرجاء وهو ضد اليأس ، والطمع يتعدى بفي حذفت هنا قبل (أن).
فإن قلت ، كيف ينهى عن الطمع في إيمانهم أو يعجّب به والنبي والمسلمون مأمورون بدعوة أولئك إلى الإيمان دائما؟ وهل لمعنى هذه الآية ارتباط بمسألة التكليف بالمحال الذي استحالته لتعلق علم الله بعدم وقوعه؟
قلت : إنما نهينا عن الطمع في إيمانهم لا عن دعائهم للإيمان لأننا ندعوهم للإيمان وإن كنا آيسين منه لإقامة الحجة عليهم في الدنيا عند إجراء أحكام الكفر عليهم وفي الآخرة أيضا ، ولأن الدعوة إلى الحق قد تصادف نفسا نيّرة فتنفعها ، فإن استبعاد إيمانه حكم على غالبهم وجمهرتهم أما الدعوة فإنها تقع على كل فرد منهم والمسألة أخص من تلك المسألة لأن مسألة التكليف بالمحال لتعلق العلم بعدم وقوعه مفروضة فيما علم الله عدم وقوعه وتلك قد كنا أجبنا لكم فيها جوابا واضحا (١) وهو أن الله تعالى وإن علم عدم إيمان مثل أبي جهل إلا أنه لم يطلعنا على ما علمه فيه والأوامر الشرعية لم تجيء بتخصيص أحد بدعوة حتى يقال كيف أمر مع علم الله بأنه لا يؤمن ، وأما هذه الآية فقد أظهرت نفي الطماعية في إيمان من كان دأبهم هذه الأحوال فالجواب عنها يرجع إلى الجواب الأعم وهو أن الدعاء لأجل إقامة الحجة وهو الجواب الأعم لأصحابنا في مسألة
__________________
(١) عند شرح قوله تعالى : لا يُؤْمِنُونَ [البقرة : ٦] وانظر أيضا آخر شرح [البقرة : ٦٥] فإن فيها ذكر مسألة التكليف الإلجائي (مصححه).