بإسقاط هو أن من أثبت هو يحسن أن يعتبره ضمير فصل لا مبتدأ ، لأنه لو كان مبتدأ لم يجز حذفه في قراءة نافع وابن عامر ، قال أبو حيان (١) : «وما ذهب إليه (٢) ليس بشيء ، لأنه بنى ذلك على توافق القراءتين وليس كذلك ، ألا ترى أنه قد يكون قراءتان في لفظ واحد لكل منهما توجيه يخالف الآخر ، كقراءة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : ٣٦] بضم التاء أو سكونها».
وأنا أرى أن على المفسر أن يبين اختلاف القراءات المتواترة لأن في اختلافها توفيرا لمعاني الآية غالبا فيقوم تعدد القراءات مقام تعدد كلمات القرآن. وهذا يبين لنا أن اختلاف القراءات قد ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم كما ورد في حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم بن حزام ففي «صحيح البخاري» أن عمر بن الخطاب قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ في الصلاة سورة الفرقان في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ، فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلبّبته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال أقرأنيها رسول الله ، فقلت كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت ، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال رسول الله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله : كذلك أنزلت ، ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله كذلك أنزلت إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» ا ه.
وفي الحديث إشكال ، وللعلماء في معناه أقوال يرجع إلى اعتبارين : أحدهما اعتبار الحديث منسوخا والآخر اعتباره محكما.
فأما الذين اعتبروا الحديث منسوخا وهو رأي جماعة ، منهم أبو بكر الباقلاني وابن عبد البرّ وأبو بكر بن العربي والطبري والطّحاوي ، وينسب إلى ابن عيينة وابن وهب قالوا كان ذلك رخصة في صدر الإسلام أباح الله للعرب أن يقرءوا القرآن بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها ، ثم نسخ ذلك بحمل الناس على لغة قريش لأنها التي بها نزل القرآن وزال العذر لكثرة الحفظ وتيسير الكتابة ، وقال ابن العربي دامت الرخصة مدة حياة النبي
__________________
(١) «البحر» ٨ / ٢٢٦.
(٢) أي أبو علي.