إيمانهم لأن الذين فعلوا هذا إما أن يكونوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو بني عمهم فالغالب أن يكون خلقهم واحدا وطباعهم متقاربة كما قال نوح عليهالسلام : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧] وللعرب والحكماء في هذا المعنى أقوال كثيرة مرجعها إلى أن الطباع تورث ، ولذلك كانوا يصفون القبيلة بصفات جمهورها ، أو أراد بالفريق علماءهم وأحبارهم ، فالمراد لا طمع لكم في إيمان قوم هذه صفات خاصتهم وعلمائهم فكيف ظنكم بصفات دهمائهم لأن الخاصة في كل أمة هم مظهر محامدها وكمالاتها فإذا بلغت الخاصة في الانحطاط مبلغا شنيعا فاعلم أن العامة أفظع وأشنع ، وأراد بالعامة الموجودين منهم زمن القرآن لأنهم وإن كان فيهم علماء إلا أنهم كالعامة في سوء النظر ووهن الوازع.
[٧٦ ، ٧٧] (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧))
الأظهر أن الضمير في (لَقُوا) عائد على بني إسرائيل على نسق الضمائر السابقة في قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا) [البقرة : ٧٥] وما بعده ، وأن الضمير المرفوع بقالوا عائد عليهم باعتبار فريق منهم وهم الذين أظهروا الإيمان نفاق أو تفاديا من مر المقارعة والمحاجة بقرينة قوله : (آمَنَّا) وذلك كثير في ضمائر الأمم والقبائل ونحوها نحو قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) [البقرة : ٢٣٢] لأن ضمير (طَلَّقْتُمُ) للمطلقين وضمير تعضلوا للأولياء لأن الجميع راجع إلى جهة واحدة وهي جهة المخاطبين من المسلمين لاشتمالهم على الصنفين ، ومنه أن تقول لئن نزلت ببني فلان ليكرمنك وإنما يكرمك سادتهم وكرماؤهم ويكون الضمير في قوله : (بَعْضُهُمْ) عائد إلى الجميع أي بعض الجميع إلى بعض آخر ومعلوم أن القائل من لم ينافق لمن نافق ، ثم تلتئم الضمائر بعد ذلك في (يَعْلَمُونَ) و (يُسِرُّونَ) و (يُعْلِنُونَ) بلا كلفة وإلى هذه الطريقة ذهب صاحب «الكشاف» ويرجحها عندي أن فيها الاقتصار على تأويل ما به الحاجة والتأويل عند وجود دليله بجنبه وهو (آمَنَّا).
وجملة (إِذا لَقُوا) معطوفة على جملة (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) [البقرة : ٧٥] على أنهم حال مثلها من أحوال اليهود وقد قصد منها تقييد النهي أو التعجيب من الطمع في إيمانهم فهو معطوف على الحال بتأويل وقد كان فريق منهم آخر إذا لقوا.
وقوله : (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ) معطوف على (إِذا لَقُوا) وهم المقصود من الحالية أي