فاليهود كفروا حسدا على خروج النبوءة منهم إلى العرب وهو المشار إليه بقوله تعالى : (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وقوله : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) أي فرجعوا من تلك الصفقة وهي اشتراء أنفسهم بالخسران المبين وهو تمثيل لحالهم بحال الخارج بسلعته لتجارة فأصابته خسارة فرجع إلى منزله خاسرا. شبه مصيرهم إلى الخسران برجوع التاجر الخاسر بعد ضميمة قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ).
والظاهر أن المراد بغضب على غضب الغضب الشديد على حد قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النور : ٣٥] أي نور عظيم وقوله : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) [النور : ٤٠] وقول أبي الطيب :
أرق على أرق ومثلى يأرق
وهذا من استعمال التكرير باختلاف صيغه في معنى القوة والشدة كقول الحطيئة :
أنت آل شماس بن لأي وإنما |
|
أتاهم بها الأحلام والحسب العد |
أي الكثير العدد أي العظيم وقال المعري :
بني الحسب الوضاح والمفخر الجم
أي العظيم قال القرطبي قال بعضهم : المراد به شدة الحال لا أنه أراد غضبين وهما غضب الله عليهم للكفر وللحسد أو للكفر بمحمد وعيسى عليهماالسلام.
وقوله : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) هو كقوله : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة : ٨٩] أي ولهم عذاب مهين لأنهم من الكافرين ، والمهين المذل أي فيه كيفية احتقارهم.
[٩١] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١))
معطوف على قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [البقرة : ٨٩] المعطوف على قوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) [البقرة : ٨٨] وبهذا الاعتبار يصح اعتباره معطوفا على (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) على المعروف في اعتبار العطف على ما هو معطوف وهذا كله من عطف حكايات أحوالهم في معاذيرهم عن الإعراض عن الدعوة الإسلامية فإذا دعوا قالوا : قلوبنا غلف وإذا سمعوا الكتاب أعرضوا عنه بعد أن كانوا منتظريه حسدا أن نزل على رجل من