كونهم (مُؤْمِنِينَ) وهو المقصود فقوله : (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) جواب الشرط مقدم عليه أو (قُلْ) دليل الجواب ولأجل هذا جيء في هذا الشرط بإن التي من شأن شرطها أن يكون مشكوك الحصول وينتقل من الشك في حصوله إلى كونه مفروضا كما يفرض المحال وهو المراد هنا ؛ لأن المتكلم عالم بانتفاء الشرط ولأن المخاطبين يعتقدون وقوع الشرط فكان مقتضى ظاهر حال المتكلم أن لا يؤتى بالشرط المتضمن لكونهم (مُؤْمِنِينَ) إلا منفيا ومقتضى ظاهر حال المخاطب أن لا يؤتى به إلا مع إذا ولكن المتكلم مع علمه بانتفاء الشرط فرضه كما يفرض المحال استنزالا لطائرهم. وفي الإتيان بإن إشعار بهذا الفرض حتى يقعوا في الشك في حالهم وينتقلوا من الشك إلى اليقين بأنهم غير مؤمنين حين مجيء الجواب وهو (بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ) وإلى هذا أشار صاحب «الكشاف» كما قاله التفتازانيّ وهو لا ينافي كون القصد التبكيت لأنها معان متعاقبة يفضي بعضها إلى بعض فمن الفرض يتولد التشكيك ومن التشكيك يظهر التبكيت.
ولا معنى لجعل (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ابتداء كلام وجوابه محذوفا تقديره فإيمانكم لا يأمركم بقتل الأنبياء وعبادة العجل إلخ لأنه قطع لأواصر الكلام وتقدير بلا داع مع أن قوله : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ) إلخ يتطلبه مزيد تطلب ونظائره في آيات القرآن كثيرة. على أن معنى ذلك التقدير لا يلاقي الكلام المتقدم المثبت أن إيمانهم أمرهم بهذا المذام فكيف ينفي بعد ذلك أن يكون إيمانهم يأمرهم؟
و (بِئْسَما) هنا نظير بئسما المتقدم في قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩٠] سوى أن هذا لم يؤت له باسم مخصوص بالذم لدلالة قوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) والتقدير بئسما يأمركم به إيمانكم عبادة العجل.
[٩٤ ، ٩٥] (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥))
إبطال لدعوى قارة في نفوسهم اقتضاها قولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) [البقرة : ٩١] الذي أرادوا به الاعتذار عن إعراضهم عن دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم بعذر أنهم متصلبون في التمسك بالتوراة لا يعدونها وأنهم بذلك استحقوا محبة الله إياهم وتكون الآخرة لهم فلما أبطلت دعوى إيمانهم بما أنزل عليهم بإلزامهم الكذب في دعواهم بسند ما أتاه سلفهم وهم