المقدمة السابعة
قصص القرآن
امتن الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم بقوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ٣] فعلمنا من قوله (أَحْسَنَ) ، أن القصص القرآنية لم تسق مساق الإحماض (١) وتجديد النشاط ، وما يحصل من استغراب مبلغ تلك الحوادث من خير أو شر ؛ لأن غرض القرآن أسمى وأعلى من هذا ، ولو كان من هذا لساوى كثيرا من قصص الأخبار الحسنة الصادقة فما كان جديرا بالتفضيل على كل جنس القصص.
والقصة : الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها ، فليس ما في القرآن من ذكر الأحوال الحاضرة في زمن نزوله قصصا مثل ذكر وقائع المسلمين مع عدوهم. وجمع القصة قصص بكسر القاف ، وأما القصص بفتح القاف فاسم للخبر المقصوص ، وهو مصدر سمى به المفعول ، يقال : قص على فلان إذا أخبره بخبر.
وأبصر أهل العلم أن ليس الغرض من سوقها قاصرا على حصول العبرة والموعظة مما تضمنته القصة من عواقب الخير أو الشر ، ولا على حصول التنويه بأصحاب تلك القصص في عناية الله بهم أو التشويه بأصحابها فيما لقوه من غضب الله عليهم كما تقف عنده أفهام القانعين بظواهر الأشياء وأوائلها ، بل الغرض من ذلك أسمى وأجل. إن في تلك القصص لعبرا جمة وفوائد للأمة ؛ ولذلك نرى القرآن يأخذ من كل قصة أشرف مواضيعها ويعرض عما عداه ليكون تعرضه للقصص منزها عن قصد التفكه بها ، من أجل ذلك كله لم تأت القصص في القرآن متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب تاريخ ، بل كانت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها ، لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع ، هو ذكر وموعظة لأهل الدين فهو بالخطابة أشبه. وللقرآن أسلوب
__________________
(١) من أحمض القوم : أفاضوا فيما يؤنسهم.