من الخطاب توجه مضمون الخطاب إليه ولأمته وتارة يقصد منه توجه المضمون لأمته فقط على قاعدة الكناية في جواز إرادة المعنى الأصلي مع الكنائي ، وهاهنا لا يصلح توجه المضمون للرسول لأنه لا يقرر على الاعتراف بأن الله على كل شيء قدير فضلا عن أن ينكر عنه وإنما التقرير للأمة ، والمقصد من تلك الكناية التعريض باليهود. وإنما سلك هذا الطريق دون أن يؤتى بضمير الجماعة المخاطبين لما في سلوك طريق الكناية من البلاغة والمبالغة مع الإيجاز في لفظ الضمير.
والاستفهام تقريري على الوجهين وهو شأن الاستفهام الداخل على النفي كما تقدم عند قوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة : ٣٣] أي إنكم تعلمون أن الله قدير وتعلمون أنه مالك السماوات والأرض بما يجري فيهما من الأحوال ، فهو ملكه أيضا فهو يصرف الخلق كيف يشاء. وقد أشار في «الكشاف» إلى أنه تقريري وصرح به القطب في «شرحه» ولم يسمع في كلام العرب استفهام دخل على النفي إلا وهو مراد به التقرير.
وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال البيضاوي : هو متنزل من الجملة التي قبله منزلة الدليل لأن الذي يكون له ملك السماوات والأرض لا جرم أن يكون قديرا على كل شيء ولذا فصلت هذه الجملة عن التي قبلها. وعندي أن موجب الفصل هو أن هاته الجملة بمنزلة التكرير للأولى لأن مقام التقرير ومقام التوبيخ كلاهما مقام تكرير لما به التقرير والإنكار تعديدا على المخاطب.
[١٠٨] (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨))
(أم) حرف عطف مختص بالاستفهام وما في معناه وهو التسوية (١) فإذا عطفت أحد مفردين مستفهما عن تعيين أحدهما استفهاما حقيقيا أو مسوّى بينهما في احتمال الحصول فهي بمعنى (أو) العاطفة ويسميها النحاة متصلة ، وإذا وقعت عاطفة جملة دلت على انتقال من الكلام السابق إلى استفهام فتكون بمعنى بل الانتقالية ويسميها النحاة منقطعة
__________________
(١) لأن التحقيق أن همزة التسوية همزة استفهام تدل على استواء أمرين بمعنى استواء الجواب لو سأل سائل عن أحد أمرين.