الصلاة والزكاة ركناه فالأمر بهما يستلزم الأمر بالدوام على ما أنتم عليه على طريق الكناية.
وقوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) مناسب للأمر بالثبات على الإسلام وللأمر بالعفو والصفح. وفيه تعريض باليهود بأنهم لا يقدرون قدر عفوكم وصفحكم ولكنه لا يضيع عند الله ولذلك اقتصر على قوله : (عِنْدَ اللهِ) قال الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوائزه |
|
لا يذهب العرف بين الله والناس |
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تذييل لما قبله. والبصير العليم كما تقدم ، وهو كناية عن عدم إضاعة جزاء المحسن والمسيء لأن العليم القدير إذا علم شيئا فهو يرتب عليه ما يناسبه إذ لا يذهله جهل ولا يعوزه عجز ، وفي هذا وعد لهم يتضمن وعيدا لغيرهم لأنه إذا كان بصيرا بما يعمل المسلمون كان بصيرا بما يعمل غيرهم.
[١١١ ، ١١٢] (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢))
عطف على (وَدَّ كَثِيرٌ) [البقرة : ١٠٩] وما بينهما من قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) [البقرة : ١٠٩] الآية اعتراض كما تقدم.
والضمير لأهل الكتاب كلهم من اليهود والنصارى بقرينة قوله بعده : (إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى). ومقول القول مختلف باختلاف القائل فاليهود قالت لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، والنصارى قالت لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى ، جمع القرآن بين قوليهما على طريقة الإيجاز بجمع ما اشتركا فيه وهو نفي دخول الجنة عن المستثنى منه المحذوف لأجل تفريع الاستثناء ، ثم جاء بعده تفريق ما اختص به كل فريق وهو قوله : (هُوداً أَوْ نَصارى) فكلمة (أو) من كلام الحاكي في حكايته وليست من الكلام المحكي فأو هنا لتقسيم القولين ليرجع السامع كل قول إلى قائله ، والقرينة على أن (أو) ليست من مقولهم المحكي أنه لو كان من مقولهم لاقتضى أن كلا الفريقين لا ثقة له بالنجاة وأنه يعتقد إمكان نجاة مخالفه والمعلوم من حال أهل كل دين خلاف ذلك فإن كلا من اليهود والنصارى لا يشك في نجاة نفسه ولا يشك في ضلال مخالفه وهي أيضا قرينة على تعيين كل من خبري (كانَ) لبقية الجملة المشتركة التي قالها كل فريق بإرجاع هودا إلى مقول