اليهود وإرجاع نصارى إلى مقول النصارى. فأو هاهنا للتوزيع وهو ضرب من التقسيم الذي هو من فروع كونها لأحد الشيئين وذلك أنه إيجاز مركب من إيجاز الحذف لحذف المستثنى منه ولجمع القولين في فعل واحد وهو (قالُوا) ومن إيجاز القصر لأن هذا الحذف لما لم يعتمد فيه على مجرد القرينة المحوجة لتقدير وإنما دل على المحذوف من القولين بجلب حرف أو كانت (أو) تعبيرا عن المحذوف بأقل عبارة فينبغي أن يعد قسما ثالثا من أقسام الإيجاز وهو إيجاز حذف وقصر معا.
وقد جعل القزويني في «تلخيص المفتاح» هاته الآية من قبيل اللف والنشر الإجمالي أخذا من كلام «الكشاف» لقول صاحب «الكشاف» «فلف بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله وأمنا من الإلباس لما علم من التعادي بين الفريقين» فقوله : فلف بين القولين أراد به اللف الذي هو لقب للمحسن البديعي المسمى اللف والنشر ولذلك تطلبوا لهذا اللف نشرا وتصويرا للف في الآية من قوله (قالُوا) : مع ما بينه وهو لف إجمالي يبينه نشره الآتي بعده ولذلك لقبوه اللف الإجمالي. ثم وقع نشر هذا اللف بقوله : (إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) فعلم من حرف (أو) توزيع النشر إلى ما يليق بكل فريق من الفريقين. وقال التفتازانيّ في شرح المفتاح جرى الاستعمال في النفي الإجمالي أن يذكر نشره بكلمة (أو).
والهود جمع هائد أي متبع اليهودية وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) [البقرة : ٦٢] الآية وجمع فاعل على فعل غير كثير وهو سماعي منه قولهم عوذ جمع عائذ وهي الحديثة النتاج من الظباء والخيل والإبل ومنه أيضا عائط وعوط للمرأة التي بقيت سنين لم تلد ، وحائل وحول ، وبازل وبزل ، وفاره وفره ، وإنما جاء هودا جمعا مع أنه خبر عن ضميره (كان) وهو مفرد لأن (من) مفردا لفظا ومراد به الجماعة فجرى ضميره على مراعاة لفظه وجرى خبرا وضميرا على مراعاة المعنى.
والإشارة ب (تِلْكَ) إلى القولة الصادرة منهم (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) كما هو الظاهر فالإخبار عنها بصيغة الجمع إما لأنها لما كانت أمنية كل واحد منهم صارت إلى أماني كثيرة وإما إرادة أن كل أمانيهم كهذه ومعتادهم فيها فيكون من التشبيه البليغ.
والأماني تقدمت في قوله : (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) [البقرة : ٧٨] وجملة (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) معترضة.