وإما ليغني عن حرف العطف في الانتقال من كلام إلى كلام إيجازا بديعا لأن مفاد حرف العطف التشريك ومفاد كاف التشبيه التشريك إذ التشبيه تشريك في الصفة. ولأجل الاهتمام أو لزيادته أكد قوله (كَذلِكَ) بقوله (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) فهو صفة أيضا لمعمول قالوا المحذوف أي قالوا مقولا مثل قولهم. ولك أن تجعل (كَذلِكَ) تأكيدا لمثل قولهم وتعتبر تقديمه من تأخير ، والأول أظهر.
وجوز صاحب «الكشف» وجماعة أن لا يكون قوله : (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) أو قوله : (كَذلِكَ) تأكيدا للآخر وأن مرجع التشبيه إلى كيفية القول ومنهجه في صدوره عن هوى ، ومرجع المماثلة إلى المماثلة في اللفظ فيكون على كلامه تكريرا في التشبيه من جهتين للدلالة على قوة التشابه.
وقوله : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) الآية ، جاء بالفاء لأن التوعد بالحكم بينهم يوم القيامة وإظهار ما أكنته ضمائرهم من الهوى والحسد متفرع عن هذه المقالات ومسبب عنها وهو خبر مراد به التوبيخ والوعيد والضمير المجرور بإضافة (بين) راجع إلى الفرق الثلاث و (ما كانوا فيه يختلفون) يعم ما ذكر وغيره. والجملة تذييل.
[١١٤] (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤))
عطف على (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) [البقرة : ١١٣] باعتبار ما سبق ذلك من الآيات الدالة على أفانين أهل الكتاب في الجراءة وسوء المقالة أي إن قولهم هذا وما تقدمه ظلم ولا كظلم من منع مساجد الله وهذا استطراد واقع معترضا بين ذكر أحوال اليهود والنصارى لذكر مساوئ المشركين في سوء تلقيهم دعوة الإسلام الذي جاء لهديهم ونجاتهم.
والآية نازلة في مشركي العرب كما في رواية عطاء عن ابن عباس وهو الذي يقتضيه قوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) الآية كما سيأتي وهي تشير إلى منع أهل مكة النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين من الدخول لمكة كما جاء في حديث سعد بن معاذ حين دخل مكة خفية وقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف بالبيت آمنا وقد أويتم الصباء ، وتكرر ذلك في عام الحديبية.