فتح مكة من خزي الانهزام.
وقوله : (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) عطفت على ما قبلها لأنها تتميم لها إذ المقصود من مجموعهما أن لهم عذابين عذابا في الدنيا وعذابا في الآخرة.
وعندي أن نزول هذه الآية مؤذن بالاحتجاج على المشركين من سبب انصراف النبي عن استقبال الكعبة بعد هجرته فإن منعهم المسلمين من المسجد الحرام أشد من استقبال غير الكعبة في الصلاة على حد قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : ٢١٧].
[١١٥] (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥))
لما جاء بوعيدهم ووعد المؤمنين عطف على ذلك تسلية المؤمنين على خروجهم من مكة ونكاية المشركين بفسخ ابتهاجهم بخروج المؤمنين منها وانفرادهم هم بمزية جوار الكعبة فبين أن الأرض كلها لله تعالى وأنها ما تفاضلت جهاتها إلا بكونها مظنة للتقرب إليه تعالى وتذكر نعمه وآياته العظيمة فإذا كانت وجهة الإنسان نحو مرضاة الله تعالى فأينما تولى فقد صادف رضى الله تعالى كانت وجهته الكفر والغرور والظلم فما يغني عنه العياذ بالمواضع المقدسة بل هو فيها دخيل لا يلبث أن يقلع منها قال تعالى : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) [الأنفال : ٣٤] وقال صلىاللهعليهوسلم في بني إسرائيل : «نحن أحق بموسى منهم».
فالمراد من (الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) في الآية تعميم جهات الأرض لأنها تنقسم بالنسبة إلى مسير الشمس قسمين قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس وقسم ينتهي في حيث تغرب وهو تقسيم اعتباري كان مشهورا عند المتقدمين لأنه المبني على المشاهدة مناسب لجميع الناس والتقسيم الذاتي للأرض هو تقسيمها إلى شمالي وجنوبي لأنه تقسيم ينبني على اختلاف آثار الحركة الأرضية.
وقد قيل إن هذه الآية إذن للرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يتوجه في الصلاة إلى أية جهة شاء ، ولعل مراد هذا القائل أن الآية تشير إلى تلك المشروعية لأن الظاهر أن الآية نزلت قبيل نسخ استقبال بيت المقدس إذ الشأن توالى نزول الآيات وآية نسخ القبلة قريبة الموقع من هذه ، والوجه أن يكون مقصد الآية عاما كما هو الشأن فتشمل الهجرة من مكة والانصراف