وقوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إضراب عن قولهم لإبطاله ، وأقام الدليل على الإبطال بقوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فالجملة استئناف ابتدائي واللام للملك و (ما في السماوات والأرض) أي ما هو موجود فإن السماوات والأرض هي مجموع العوالم العلوية والسفلية.
و (ما) من صيغ العموم تقع على العاقل وغيره وعلى المجموع وهذا هو الأصح الذي ذهب إليه في «المفصل» واختاره الرضي. وقيل : (ما) تغلب أو تختص بغير العقلاء ومن تختص بالعقلاء وربما استعمل كل منهما في الآخر وهذا هو المشتهر بين النحاة وإن كان ضعيفا وعليه فهم يجيبون على نحو هاته الآية بأنها من قبيل التغليب تنزيلا للعقلاء في كونهم من صنع الله بمنزلة مساوية لغيره من بقية الموجودات تصغيرا لشأن كل موجود.
والقنوت الخضوع والانقياد مع خوف وإنما جاء (قانِتُونَ) بجمع المذكر السالم المختص بالعقلاء تغليبا لأنهم أهل القنوت عن إرادة وبصيرة.
والمضاف إليه المحذوف بعد (كلّ) دلّ عليه قوله : (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي كل ما في السماوات والأرض أي العقلاء له قانتون وتنوين (كل) تنوين عوض عن المضاف إليه وسيأتي بيانه عند قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [البقرة : ١٤٨] في هذه السورة.
وفي قوله : (لَهُ قانِتُونَ) حجة ثالثة على انتفاء الولد لأن الخضوع من شعار العبيد أما الولد فله إدلال على الوالد وإنما يبرّ به ولا يقنت ، فكان إثبات القنوت كناية عن انتفاء الولدية بانتفاء لازمها لثبوت مساوي نقيضه ومساوي النقيض نقيض وإثبات النقيض يستلزم نفي ما هو نقيض له.
وفصل جملة (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) لقصد استقلالها بالاستدلال حتى لا يظن السامع أنها مكملة للدليل المسوق له قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
وقد استدل بها بعض الفقهاء على أن من ملك ولده أعتق عليه لأن الله تعالى جعل نفي الولدية بإثبات العبودية فدل ذلك على تنافي الماهيتين وهو استرواح حسن.
[١١٧] (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧))
هو بالرفع خبر لمحذوف على طريقة حذف المسند إليه لاتباع الاستعمال كما تقدم