«الكشاف» ونظره بقول أبي النجم :
إذ قالت الأنساع للبطن ألحق |
|
قدما فآضت كالفنيق المحنق (١) |
والذي يعين كون هذا تمثيلا أنه لا يتصور خطاب من ليس بموجود بأن يكون موجودا فليس هذا التقرير الصادر من الزمخشري مبنيا على منع المعتزلة قيام صفة الكلام بذاته تعالى إذ ليس في الآية ما يلجئهم إلى اعتبار قيام صفة الكلام إذ كان يمكنهم تأويله بما تأولوا به آيات كثيرة ولذلك سكت عنه ابن المنير خلافا لما يوهمه كلام ابن عطية.
[١١٨] (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨))
عطف على قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦] المعطوف على قوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى) [البقرة : ١١٣]. لمناسبة اشتراك المشركين واليهود والنصارى في الأقوال والعقائد الضالة إلا أنه قدم قول أهل الكتاب في الآية الماضية وهي (وَقالَتِ الْيَهُودُ) لأنهم الذين ابتدءوا بذلك أيام مجادلتهم في تفاضل أديانهم ويومئذ لم يكن للمشركين ما يوجب الاشتغال بذلك إلى أن جاء الإسلام فقالوا مثل قول أهل الكتاب.
وجمع الكل في (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) إلا أنه لم يكن فريق من الثلاثة فيه مقتبسا من الآخر بل جميعه ناشئ من الغلو في تقديس الموجودات الفاضلة ومنشؤه سوء الفهم في العقيدة سواء كانت مأخوذة من كتاب كما تقدم في منشأ قول أهل الكتابين (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) أم مأخوذة من أقوال قادتهم كما قالت العرب : الملائكة بنات الله.
وقدم قول المشركين هنا لأن هذا القول أعلق بالمشركين إذ هو جديد فيهم وفاش بينهم ، فلما كانوا مخترعي هذا القول نسب إليهم ، ثم نظر بهم الذين من قبلهم وهم اليهود والنصارى ، إذ قالوا مثل ذلك لرسلهم.
و (لَوْ لا) هنا حرف تحضيض قصد منه التعجيز والاعتذار عن عدم الإصغاء للرسول استكبارا بأن عدوا أنفسهم أحرياء بالرسالة وسماع كلام الله تعالى وهذا مبالغة في الجهالة
__________________
(١) الأنساع جمع نسع وهو الحزام الذي يشد على بطن الراحلة. ومعنى قولها للبطن ألحق أنها شدت على البطن حتى ضمر البطن والتحق بالظهر. والقدم بضم القاف وضم الدال المضي سريعا وسكنه للضرورة والفنيق ؛ الفحل. والمحنق : الضامر.