فظاعتها وشناعتها ، وذلك أن النهي عن السؤال يرد لمعنى تعظيم أمر المسئول عنه نحو قول عائشة : «يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن» ولهذا شاع عند أهل العلم إلقاء المسائل الصعبة بطريقة السؤال نحو (فإن قلت) للاهتمام.
وقرأه جمهور العشرة بضم الفوقية ورفع اللام على أن (لا) نافية أي لا يسألك الله عن أصحاب الجحيم وهو تقرير لمضمون (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) والسؤال كناية عن المؤاخذة واللوم مثل قوله صلىاللهعليهوسلم : «وكلكم مسئول عن رعيته» أي لست مؤاخذا ببقاء الكافرين على كفرهم بعد أن بلغت لهم الدعوة.
وما قيل إن الآية نزلت في نهيه صلىاللهعليهوسلم عن السؤال عن حال أبويه في الآخرة فهو استناد لرواية واهية ولو صحت لكان حمل الآية على ذلك مجافيا للبلاغة إذ قد علمت أن قوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) تأنيس وتسكين فالإتيان معه بما يذكّر المكدرات خروج عن الغرض وهو مما يعبر عنه بفساد الوضع.
[١٢٠] (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠))
عطف على قوله : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) [البقرة : ١١٩] أو على (إِنَّا أَرْسَلْناكَ)
[البقرة : ١١٩] وقد جاء هذا الكلام المؤيس من إيمانهم بعد أن قدم قبله التأنيس والتسلية على نحو مجيء العتاب بعد تقديم العفو في قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٣] وهذا من كرامة الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم.
والنفي بلن مبالغة في التأييس لأنها لنفي المستقبل وتأبيده.
والملة بكسر الميم الدين والشريعة وهي مجموع عقائد وأعمال يلتزمها طائفة من الناس يتفقون عليها وتكون جامعة لهم كطريقة يتبعونها ، ويحتمل أنها مشتقة من أملّ الكتاب فسميت الشريعة ملة لأن الرسول أو واضع الدين يعلمها للناس ويمللها عليهم كما سميت دينا باعتبار قبول الأمة لها وطاعتهم وانقيادهم.
ومعنى الغاية في (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) الكناية عن اليأس من اتباع اليهود والنصارى لشريعة الإسلام يومئذ لأنهم إذا كانوا لا يرضون إلا باتباعه ملتهم فهم لا يتبعون ملته ، ولما كان اتباع النبي ملتهم مستحيلا كان رضاهم عنه كذلك على حد (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ