الدال على الاستغراق ففيه طريقان من طرق الحصر هما ضمير الفصل وتعريف الجزأين وفي الجمع بينهما إفادة تحقيق معنى القصر وتأكيده للعناية به فأيهما اعتبرته طريق قصر كان الآخر تأكيدا للقصر وللخبر أيضا.
والتوكيد بإن لتحقيق الخبر وتحقيق نسبته وإبطال تردد المتردد لأن القصر الإضافي لما كان المقصود منه رد اعتقاد المخاطب قد لا يتفطن المخاطب إلى ما يقتضيه من التأكيد فزيد هنا مؤكد آخر وهو حرف (إن) اهتماما بتأكيد هذا الحكم. فقد اجتمع في هذه الجملة عدة مؤكدات هي : حرف إن والقصر ، إذ القصر تأكيد على تأكيد ما في «المفتاح» فهو في قوة مؤكدين ، مع تأكيد القصر بضمير الفصل وهي تنحل إلى أربعة مؤكدات لأن القصر بمنزلة تأكيدين وقد انضم إليهما تأكيد القصر بضمير الفصل وتأكيد الجملة بحرف (إن).
ولعل الآية تشير إلى أن استقبال النبي صلىاللهعليهوسلم في الصلاة إلى القبلة التي يستقبلها اليهود لقطع معذرة اليهود كما سيأتي في قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) [البقرة : ١٤٣] ، فأعلم رسوله بقوله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) بأن ذلك لا يلين من تصلب اليهود في عنادهم فتكون إيماء إلى تمهيد نسخ استقبال بيت المقدس.
وقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ). اللام موطئة للقسم وذلك توكيد للخبر وتحقيق له. وعبر عن طريقتهم هنالك بالملة نظرا لاعتقادهم وشهرة ذلك عند العرب ، وعبر عنها هنا بالأهواء بعد أن مهد له بقوله : (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) فإن الهوى رأي ناشئ عن شهوة لا عن دليل ، ولهذا لم يؤت بالضمير الراجع للملة وعبر عنها بالاسم الظاهر فشملت أهواؤهم التكذيب بالنبيء وبالقرآن واعتقادهم أن ملتهم لا ينقضها شرع آخر.
وقوله : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) تحذير لكل من تلقى الإسلام أن لا يتبع بعد الإسلام أهواء الأمم الأخرى ، جاء على طريقة تحذير النبي صلىاللهعليهوسلم مثل : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] وهو جواب القسم ودليل جواب الشرط لأن اللام موطئة للقسم فالجواب لها. وجيء بإن الشرطية التي تأتي في مواقع عدم القطع بوقوع شرطها لأن هذا فرض ضعيف في شأن النبي والمسلمين.
والولي القريب والحليف. والنصير كل من يعين أحدا على من يريد به ضرا وكلاهما