العذاب متأخرا عن تمتيعه بالمتاع القليل.
والاضطرار في الأصل الالتجاء وهو بوزن افتعل مطاوع أضره إذا صيره ذا ضرورة أي حاجة ، فالأصل أن يكون اضطر قاصرا لأن أصل المطاوعة عدم التعدي ولكن الاستعمال جاء على تعديته إلى مفعول وهو استعمال فصيح غير جار على قياس يقال اضطرّه إلى كذا أي ألجأه إليه ، ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة لقمان [٢٤] : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ).
وقوله : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) تذييل والواو للاعتراض أو للحال والخبر محذوف هو المخصوص بالذم وتقديره هي.
[١٢٧] (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧))
هذه منقبة ثالثة لإبراهيم عليهالسلام ، وتذكير بشرف الكعبة ، ووسيلة ثالثة إلى التعريض بالمشركين بعد قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً) [البقرة : ١٢٨] إلخ ، وتمهيد للرد على اليهود إنكارهم استقبال الكعبة الذي يجيء عند قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) [البقرة : ١٤٢] ولأجل استقلالها بهاته المقاصد الثلاثة التي تضمنتها الآيات قبلها عطفت على سوابقها مع الاقتران بإذ تنبيها على الاستقلال.
وخولف الأسلوب الذي يقتضيه الظاهر في حكاية الماضي أن يكون بالفعل الماضي بأن يقول وإذ رفع إلى كونه بالمضارع لاستحضار الحالة وحكايتها كأنها مشاهدة لأن المضارع دال على زمن الحال فاستعماله هنا استعارة تبعية ، شبه الماضي بالحال لشهرته ولتكرر الحديث عنه بينهم فإنهم لحبهم إبراهيم وإجلالهم إياه لا يزالون يذكرون مناقبه وأعظمها بناء الكعبة فشبه الماضي لذلك بالحال ولأن ما مضى من الآيات في ذكر إبراهيم من قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة : ١٢٤] إلى هنا مما يوجب امتلاء أذهان السامعين بإبراهيم وشئونه حتى كأنه حاضر بينهم وكأن أحواله حاضرة مشاهدة ، وكلمة (إذ) قرينة على هذا التنزيل لأن غالب الاستعمال أن يكون للزمن الماضي وهذا معنى قول النحاة أن إذ تخلص المضارع إلى الماضي.
والقواعد جمع قاعدة وهي أساس البناء الموالي للأرض الذي به ثبات البناء أطلق عليها هذا اللفظ لأنها أشبهت القاعد في اللصوق بالأرض فأصل تسمية القاعدة مجاز عن