كان حينئذ صغيرا.
والعدول عن ذكر القول إلى نطق المتكلم بما قاله المحكي عنه هو ضرب من استحضار الحالة قد مهد له الإخبار بالفعل المضارع في قوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ) حتى كأن المتكلم هو صاحب القول وهذا ضرب من الإيغال.
وجملة (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تعليل لطلب التقبل منهما ، وتعريف جزءي هذه الجملة والإتيان بضمير الفصل يفيد قصرين للمبالغة في كمال الوصفين له تعالى بتنزيل سمع غيره وعلم غيره منزلة العدم. ويجوز أن يكون قصرا حقيقيا باعتبار متعلق خاص أي السميع العليم لدعائنا لا يعلمه غيرك وهذا قصر حقيقي مقيد وهو نوع مغاير للقصر الإضافي لم ينبه عليه علماء المعاني.
[١٢٨] (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨))
فائدة تكرير النداء بقوله : (رَبَّنا) إظهار الضراعة إلى الله تعالى وإظهار أن كل دعوى من هاته الدعوات مقصودة بالذات ، ولذلك لم يكرر النداء إلا عند الانتقال من دعوة إلى أخرى فإن الدعوة الأولى لطلب تقبل العمل والثانية لطلب الاهتداء فجملة النداء معترضة بين المعطوف هنا والمعطوف عليه في قوله الآتي : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً) [البقرة : ١٢٩].
والمراد بمسلمين لك المنقادان إلى الله تعالى إذ الإسلام الانقياد ، ولما كان الانقياد للخالق بحق يشمل الإيمان بوجوده وأن لا يشرك في عبادته غيره ومعرفة صفاته التي دل عليها فعله كانت حقيقة الإسلام ملازمة لحقيقة الإيمان والتوحيد ، ووجه تسمية ذلك إسلاما سيأتي عند قوله : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٢] ، وأما قوله تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] فإنه فكك بينهما لأن إسلامهم كان عن خوف لا عن اعتقاد ، فالإيمان والإسلام متغايران مفهوما وبينهما عموم وخصوص وجهي في الماصدق ، فالتوحيد في زمن الفترة إيمان لا يترقب منه انقياد إذ الانقياد إنما يحصل بالأعمال ، وانقياد المغلوب المكره إسلام لم ينشأ عن اعتقاد إيمان ، إلا أن صورتي الانفراد في الإيمان والإسلام نادرتان.
ألهم الله إبراهيم اسم الإسلام ثم ادخره بعده للدين المحمدي فنسي هذا الاسم بعد