أسلموا من بني إسرائيل مثل عبد الله بن سلام فلم يلتئم منهم عدد أمة.
وقوله : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) سؤال لإرشادهم لكيفية الحج الذي أمرا به من قبل أمرا مجملا ، ففعل (أَرِنا) هو من رأى العرفانية وهو استعمال ثابت لفعل الرؤية كما جزم به الراغب في «المفردات» والزمخشري في «المفصل» وتعدت بالهمز إلى مفعولين. وحق رأى أن يتعدى إلى مفعول واحد لأن أصله هو الرؤية البصرية ثم استعمل مجازا في العلم بجعل العلم اليقيني شبيها برؤية البصر ، فإذا دخل عليه همز التعدية تعدى إلى مفعولين وأما تعدية أرى إلى ثلاثة مفاعيل فهو خلاف الأصل وهو استعمال خاص وذلك إذا أراد المتكلم الإخبار عن معرفة صفة من صفات ذات فيذكر اسم الذات أولا ويعلم أن ذلك لا يفيد مراده فيكمله بذكر حال لازمة إتماما للفائدة فيقول رأيت الهلال طالعا مثلا ثم يقول : أراني فلان الهلال طالعا ، وكذلك فعل علم وأخواته من باب ظن كله ومثله باب كان وأخواتها ، ألا ترى أنك لو عدلت عن المفعول الثاني في باب ظن أو عن الخبر في باب كان إلى الإتيان بمصدر في موضع الاسم في أفعال هذين البابين لاستغنيت عن الخبر والمفعول الثاني فتقول كان حضور فلان أي حصل وعلمت مجيء صاحبك وظننت طلوع الشمس وقد روي قول الفند الزّمّاني :
عسى أن يرجع الأيّا |
|
م قوما كالذي كانوا |
وقال حطائط بن يعفر :
أريني جوادا مات هزلا لعلّني |
|
أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا |
فإن جملة مات هزلا ليست خبرا عن جوادا إذ المبتدأ لا يكون نكرة ، وبهذا يتبين أن الصواب أن يعد الخبر في باب كان والمفعول الثاني في باب ظن أحوالا لازمة لتمام الفائدة وأن إطلاق اسم الخبر أو المفعول على ذلك المنصوب تسامح وعبارة قديمة.
وقرأ ابن كثير ويعقوب (وَأَرِنا) بسكون الراء للتخفيف وقرأه أبو عمرو باختلاس كسرة الراء تخفيفا أيضا ، وجملة (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) تعليل لجمل الدعاء.
والمناسك جمع منسك وهو اسم مكان من نسك نسكا من باب نصر أي تعبد أو من نسك بضم السين نساكة بمعنى ذبح تقربا ، والأظهر هو الأول لأنه الذي يحق طلب التوفيق له وسيأتي في قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) [البقرة : ٢٠٠].
[١٢٩] (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ