والحكمة العلم بالله ودقائق شرائعه وهي معاني الكتاب وتفصيل مقاصده ، وعن مالك : الحكمة معرفة الفقه والدين والاتباع لذلك ، وعن الشافعي الحكمة سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكلاهما ناظر إلى أن عطف الحكمة على الكتاب يقتضي شيئا من المغايرة بزيادة معنى وسيجيء تفصيل معنى الحكمة عند قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) في هذه السورة [٢٦٩].
والتزكية التطهير من النقائص وأكبر النقائص الشرك بالله ، وفي هذا تعريض بالذين أعرضوا عن متابعة القرآن وأبوا إلا البقاء على الشرك.
وقد جاء ترتيب هذه الجمل في الذكر على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة تلاوة القرآن ثم يكون تعليم معانيه قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٨ ، ١٩] العلم تحصل به التزكية وهي في العمل بإرشاد القرآن.
وقوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تذييل لتقريب الإجابة أي لأنك لا يغلبك أمر عظيم ولا يعزب عن علمك وحكمتك شيء. والحكيم بمعنى المحكم هو فعيل بمعنى مفعل وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة : ١٠] وقوله : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ٣٢].
[١٣٠ ، ١٣١] (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١))
موقع هاته الآيات من سوابقها موقع النتيجة بعد الدليل ، فإنه لما بين فضائل إبراهيم من قوله : (وَإِذِ ابْتَلى) [البقرة : ١٢٤] إلى هنا علم أن صاحب هاته الفضائل لا يعدل عن دينه والاقتداء به إلا سفيه العقل أفن الرأي ، فمقتضى الظاهر أن تعطف على سوابقها بالفاء وإنما عدل من الفاء إلى الواو ليكون مدلول هذه الجملة مستقلا بنفسه في تكميل التنويه بشأن إبراهيم وفي أن هذا الحكم حقيق بملة إبراهيم من كل جهة لا من خصوص ما حكي عنه في الآيات السالفة وفي التعريض بالذين حادوا عن الدين الذي جاء متضمنا لملة إبراهيم ، والدلالة عن التفريع لا تفوت لأن وقوع الجملة بعد سوابقها متضمنة هذا المعنى دليل على أنها نتيجة لما تقدم كما تقول أحسن فلان تدبير المهم وهو رجل حكيم ولا تحتاج إلى أن تقول فهو رجل حكيم.